و على هذا الأساس فصَّل صاحب الكفاية [1] بين الأمارات و الاصول المنقِّحة للموضوع‌ [2]، فبنى على‌ أنّ الاصول الموضوعية توسّع دائرة الحكم الواقعيّ المترتّب على‌ ذلك الموضوع دون الأمارات، و هذا غير صحيح، و سيأتي بعض الحديث عنه إن شاء اللَّه تعالى‌ [3].

[1] كفاية الاصول: 110

[2] يعني الاصول العمليّة الجارية في موضوعات الأحكام كأصالة الطهارة بالنسبة إلى وجوب الصلاة في الثوب الطاهر، لا الاصول العمليّة الجارية في ذات الأحكام كأصالة البراءة و أصالة الحلّ بالنسبة إلى نفس الحكم الواقعي الموجود في مورد الإباحة المشكوكة أو الحلّية المشكوكة، فإنّه (رحمه الله) لم يبن في مثل ذلك على تصرّف الأصل العملي في الحكم الواقعي على أساس الحكومة، و لعلّ السبب في ذلك أنّه (رحمه الله) بنى على ما هو المشهور بين الأصحاب من اختصاص قاعدة الحكومة بما إذا كان أحد الدليلين مقتضياً للتصرّف في موضوع الدليل الآخر لا في نفس الحكم المستفاد من الآخر مباشرةً، و إلّا وقع التعارض بين الدليلين على فرض وصولهما معاً لوقوع التنافي و التضادّ بين مدلوليهما، و بما أنّ المفروض في الحكم الواقعي أنّ دليله غير واصل إلينا، و التنافي و التضادّ بين ذات الحكم الواقعي المعلوم عند اللَّه و بين الحكم الظاهري الواصل إلينا محلول بالحلول المطروحة في محلّها، فلا تبقى مشكلة في باب الاصول العمليّة الجارية في ذات الأحكام، و لا موجب للالتزام بتصرّفها في الأحكام الواقعيّة

[3] جاءت الإشارة إلى ذلك في بحث الدليل العقلي تحت عنوان (دلالة الأوامر الظاهريّة على الإجزاء عقلًا) موعِداً بيان الردّ عليه في مباحث التعارض عند التمييز بين الحكومة الواقعيّة و الحكومة الظاهريّة، لكنّه (رحمه الله) لم يتعرّض لهذا البحث في باب التعارض من هذا الكتاب، و إنّما تعرّض له مع الردّ على النظريّة المذكورة في البحث الخارج ضمن بحث الإجزاء من أبحاث الأوامر، على ما جاء في تقرير بحثه (بحوث في علم الاصول 2: 157- 162) و سنتعرّض لموجز منه إن شاء اللَّه تعالى في هامش بحث الإجزاء من أبحاث الدليل العقلي من هذا الكتاب‌