و قد انتهى كلامنا في بيان الجهة الثانية: فإذن لا بدّ لنا من بيان المراد من التلبّس و القيام، فاعلم أنّ المراد من التلبّس و القيام ليس قيام العرض بمعروضه و تلبّسه به، و إلّا لكان البحث عن ذلك مختصّا بالمشتقّات التي تكون مباديها من المقولات التسع، من دون أن يشمل البحث لما كان المبدأ فيه من الامور الاعتباريّة أو الانتزاعيّة بالقطع و اليقين مع أنّ الأمر ليس كذلك، بل البحث يشملهما، لأنّ البحث عنه عامّ.
بل المراد منه واجديّة الذات للمبدا في مقابل فقدانها له، و من البديهي الواضح أنّها تختلف بحسب اختلاف الموارد.
فإذن الشيء تارة يكون واجدا لما هو مغاير له وجودا و مفهوما، كما هو الحال في غالب المشتقّات.
و اخرى يكون واجدا لما هو متّحد معه خارجا و عينه مصداقا و إن كان يغايره مفهوما، كواجدية ذات اللّه تبارك و تعالى لجميع صفاته الذاتيّة الثبوتيّة اللازمة له، و أنّها تكون عين ذاته المقدّسة.
و ثالثة يكون واجدا لما يتّحد معه مفهوما و مصداقا، و هو عبارة عن واجديّة الشيء لنفسه، و من البديهي الواضح أنّ هذا السنخ من الواجدية ملموس جدّا، بل إنّما هي أتمّ و أشدّ من واجديّة الشيء لغيره، فالوجود أولى بأن يصدق عليه الموجود من غيره، إذ من الضروري أنّ واجدية الشيء لنفسه ضروريّة.
و بالجملة، فإنّ المراد من التلبّس الواجديّة، و هي كما تصدق على واجديّة الشيء لغيره، كذلك تصدق على واجدية الشيء لنفسه، و من هذا القبيل واجديّة اللّه تعالى لصفاته الكماليّة و إن كانت الواجدية بهذا المعنى خارجة عن المتفاهمات العرفية، إلّا أنّ ذلك غير مضرّ بعد الصدق بنظر العقل، و على كلّ حال فلا أصل لإشكال استحالة تلبّس الشيء بنفسه.