اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي الجزء : 1 صفحة : 490
و لم يوضع في أصل اللّغة للشيب [1] ، فلما نقل إليه بأنّ المعنى لما اكتسبه من التشبيه لأنّ الشيب لمّا[كان] [2] يأخذ من الرأس شيئا فشيئا حتّى يحيله إلى غير لونه [3] الأوّل [4] ، كان بمنزلة النار التي تسري [5] في الخشب حتّى تحيله إلى حالة [6] غير حاله المتقدّمة، فهذا هو نقل العبارة عن الحقيقة في الوضع للبيان.
و لا [7] بدّ أن تكون الاستعارة أبلغ من الحقيقة لأجل التشبيه العارض فيها، لأنّ الحقيقة لو قامت مقامها لكانت أولى بها، و لا يخفى على أهل الذوق أنّ قوله عزّ و جلّ [8] : وَ اِشْتَعَلَ اَلرَّأْسُ شَيْباً[9] ، أبلغ من «كثر شيب الرأس» ، و هو حقيقة، و لا بدّ للاستعارة [10] من [11] مستعار منه و مستعار [12] و مستعار له، فـ «النار» [13] مستعار منها و «الاشتعال» مستعار [14] و «الشيب» مستعار له. انتهى.
و منهم من قال: هي ادّعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه، و هذا يؤيّد قول ابن جنّي: إن لم تكن [15] الاستعارة للمبالغة و إلا [16] فهي حقيقة. و كلام ابن جنّي حسن [17] في موضعه، فإنّ الشيء إذا أعطي وصف نفسه لم يكن استعارة.
و قال ابن المعتزّ: هي استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء عرف بها، كقول النبيّ، (صلى اللّه عليه و سلم) : «ضمّوا مواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء» [18] ؛ فاستعار، (صلى اللّه عليه و سلم) ، «الفحمة» لـ «العشاء» لقصد حسن البيان.
و منهم من قال: هي استعارة الشيء المحسوس للشيء المعقول. و قال [19]