اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي الجزء : 1 صفحة : 275
بذلك، لتفوّقه و رسوخ قدمه في ميداني الأدب: الشعر و النثر... و ثانيهما: أنّ بديعيته-كما رأينا سابقا-كانت نتيجة لرغبة صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، محمد بن البارزيّ الجهنيّ، و الذي رسم لابن حجّة بنظم قصيدة بديعية يعارض بها قصيدتي الموصليّ و الحليّ، و أشار إليه بإرشاداته و لم يبخل عليه برأيه و نقده ليبزّ ببديعيته سابقتيها. و ربّما كانت رغبة البارزيّ هذه بغية التقرب من جمهور الناس، و الظهور أمامهم بمظهر التّقى في عصر كان يستهوي الناس مثل هذا المظهر، لما كان للمقياس الدينيّ من أثر في الفكر السائد آنذاك، و هذا ما يجعله يرتبط بمفاهيم النقد و مقاييسه في ذلك العصر. و إذا رأى أحدنا اليوم أن هذه البديعية كغيرها من البديعيات «صناعة من العبث، أضعفت من الشعر... و أوردته موارد التكلّف و التعمّل الثقيل» [1] فلأنّ مفاهيمنا النقديّة اليوم تختلف عن مفاهيم ذلك العصر، و إن كانت امتدادا لموروث ثقافيّ و بيئيّ واحد.
لذا فإنّ هذه البديعية قد وافقت بيئتها من ناحيتين على الأقلّ:
أولاهما: الحسّ الدينيّ الذي كان يسيطر على جميع طبقات الشعب.
و ثانيهما: الذوق العام المائل إلى الزخرفة و التّنميق في كلّ شيء. و هذا ما جعل بديعيّته كغيرها من البديعيات تتطابق بما أتت به من ألوان بديعية مع الملامح الفنيّة السائدة في ذلك العصر. و ليس غريبا بعد هذا أن يطلب ابن البارزيّ من ابن حجّة أن ينظم بديعيته و يعينه عليها و يرافقه في نظمها حتى النهاية [2] .
و من هنا لم تبق بديعية ابن حجة مجرّد فنّ شعريّ، بل خرجت إلى دائرة النقد، و ما ذاك القبول و الإقبال عليها من قبل الخاصّة و العامّة إلاّ موقف له دلالته النقديّة الواضحة.
ب-موقف العامّة:
لقد اتّضح، من خلال موقف الخاصة من بديعيّته، أنه لو لا حبّ العامّة لمثل هذا الفنّ و تعلّقهم به لما تقرّب ابن البارزيّ به إلى ابن حجّة، و لو لا ذلك أيضا لما أقدم على نظمها، و لما جعلها غاية و ذروة يتحدّى بها عميدي نظام البديعيات آنذاك