اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي الجزء : 1 صفحة : 173
أن ينظموا «البديعيات» ، و لعلّ هذا الطلب كان ابتغاء التقرّب من جمهور الناس، و الظهور أمامهم بمظهر التّقى في عصر كان يستهوي الناس مثل هذا المظهر و يخفّف من سخطهم على أفراد الطبقة الحاكمة. و إن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على أنّ للمقياس الدينيّ أثرا في الفكر السائد آنذاك، و هذا ما يجعله يرتبط بشكل أو بآخر بمفاهيم النقد و مقاييسه في ذلك العصر. و إذا نظر بعضنا اليوم إلى أن البديعيات «منذ أن ولدت إلى أن قضت، صناعة من العبث، أضعفت من الشعر، و هدّت من قوّته، و أزرت من مكانته، و أوردته موارد التكلّف و التعمّل الثقيل» [1] ، فذلك لأنّ مفاهيمنا النقدية اليوم غير مفاهيمهم، و إن كانت امتدادا لموروث ثقافيّ و بيئيّ واحد.
لذلك يرى علي أبو زيد في كتابه أنّ «البديعيات» قد وافقت بيئتها من جهتين على الأقلّ:
أولاهما: الحسّ الدينيّ الذي كان يسيطر على جميع طبقات الشعب.
ثانيتهما: الذوق العام المائل إلى الزخرفة و التنميق في كلّ شيء، و هذا ما جعل البديعيات و ما أتت به من أنواع بديعية تتطابق مع الملامح الفنيّة السائدة في ذلك العصر.
و ليس غريبا بعد هذا أن يطلب السلطان أو الحاكم من أحد الشعراء أن ينظم بديعيّة، و هذا ما جرى مع الشاعر ابن المقرئ عند ما طلب منه الملك الناصر نظم بديعية ليتقرّب بهذا الطلب من الناس [2] ، و مع غيره من الشعراء، مثل ابن حجّة، إذ نظم بديعيته استجابة لرغبة صاحب ديوان الإنشاء محمد بن البارزيّ الذي أعانه عليها و رافقه في نظمها حتى النهاية [3] .
و يقابل هذا الموقف موقف الشعراء أنفسهم الذين بلغت «البديعيات» عندهم مكانة مرموقة جعلتهم يعتبرونها مثلا عاليا و يحملونها هدايا نفيسة يتقرّبون بها من أولي الأمر في أحوال مختلفة.
فمحمّد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهامليّ مثلا، رأى في بديعيّة