اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي الجزء : 1 صفحة : 120
فكان أوّل من فصل بين علم البيان و علم المعاني، ثم أشار إلى أنّ هناك وجوها أو محسّنات، كثيرا ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام... ، و هي قسمان:
قسم يرجع إلى المعنى و قسم يرجع إلى اللفظ [1] . و هذا يعني أن «علم البديع» ما زال عنده مشتركا مع علمي المعاني و البيان.
ثم جاء بدر الدين بن مالك فسمّى هذه الوجوه التي ترجع إلى المعنى و اللفظ «علم البديع» فكان أوّل من أطلق هذا المصطلح على هذه المحسّنات البديعية [2] ، و قسّمها ثلاثة أقسام، كما رأينا سابقا.
إلاّ أنّ أبا الفرج الأصبهانيّ ذكر أنّ الشاعر العباسيّ مسلم بن الوليد كان أوّل من أطلق هذا المصطلح، إذ قال: «و هو، فيما زعموا، أوّل من قال الشعر المعروف بـ «البديع» ، و هو لقّب هذا الجنس البديع و اللطيف، و تبعه فيه جماعة، و أشهرهم فيه أبو تمام الطائيّ، فإنّه جعل شعره كلّه مذهبا واحدا فيه [3] .
ثمّ جاء الخطيب القزويني و فصل «البديع» فصلا تامّا عن البلاغة التي جعلها محصورة في المعاني و البيان، فأخذ معه «البديع» المعنى العلميّ الذي بقي سائدا إلى الآن؛ و هو عنده ضربان:
ضرب يرجع إلى المعنى و ضرب يرجع إلى اللفظ، إلاّ أنّه جعله تابعا لعلمي المعاني و البيان، لا ينفصل عنهما [4] .
و مهما يكن من أمر تبعية البديع لغيره من علوم البلاغة أو عدم تبعيته لها، فهو ما يزال متسنّما ذروة البلاغة حتى عدّه قوم أنه من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم؛ و ما انفصال علوم البلاغة عن بعضها إلاّ افتعال، بل إن ألوان البديع هي في الصميم من البلاغة، و قد سبق أن بيّنت أنّ البلاغة لا يمكن أن تحصل إلاّ لمن استكمل العلوم البلاغية الثلاثة، و لقد كان الزمخشري على حقّ حين سمّى «البيان» و «البديع» بـ «علم البيان» في كثير من كلامه مقتديا في ذلك بقول عبد القاهر الجرجاني الذي جعل «البيان» و «البديع» كلمتين مترادفتين [5] .