إلّا نفس الطرق للأحكام الشرعية، و لا يمكن كونها وسطا للأحكام بوجه من الوجوه، مثلا نقول: صلاة الجمعة واجبة بدليل الإجماع أو بدليل الكتاب أو السنّة، فالإجماع و الكتاب أو السنّة دليل الحكم، و لا يصحّ جعل واحد منها وسطا للقياس إلّا ما يتوهّم بأنّه يصحّ أن يقال هذا ما قام به الإجماع و كلّ ما قام به الإجماع فهو ثابت، و بهذا أيضا لا يثبت كون الإجماع وسطا إذ معنى لفظ هذا القياس في الحقيقة أنّ وجوب الجمعة حكم قام به الإجماع و كل حكم قام به الإجماع فهو ثابت، فالوسط في الحقيقة هو الحكم لا الإجماع، نعم له دخل في الوسط، فإن كان المراد بكونه وسطا هذا المقدار فلا مشاحّة [1].
(1) إن أراد أنّ الظنّ لو أخذ موضوعا حجّة يكون وسطا، ففيه أنّ القطع أيضا كذلك كما مرّ منّا و سيجيء من المصنف صريحا، و هذا ليس مراده قطعا هنا، و إن أراد أنّ الظنّ الطريقي حجّة يكون وسطا حتّى يصح أن يقال هذا مظنون الخمرية و كل مظنون الخمريّة حرام، فيقال له: إن أريد بكون الظنّ حجة و وسطا كونه كذلك بالنسبة إلى الحكم الظاهري الفعلي التنجيزيّ، فالقطع أيضا كذلك فيصحّ أن يقال: إنّ هذا مقطوع الخمرية و كل مقطوع الخمرية حرام يعني بحسب الحكم الظاهري الفعلي التنجيزيّ، إذ كما أنّ الظنّ المعتبر يجب تطبيق العمل
[1] أقول: لعلّ هذا الكلام من الزلّات التي لا يخلو منها أحد، أ لا ترى أنّ الوسط و الدليل في قولنا العالم متغيّر و كلّ متغيّر حادث هو التغيّر لا المتغيّر، و التعبير بالمتغيّر إنّما هو لتصحيح الحمل، و كذا في قولنا هذا الحكم مجمع عليه و كلّ مجمع عليه فهو ثابت، وسط القياس الذي هو الدليل و الحجة هو الإجماع لا المجمع عليه، و هكذا قولنا ما دل عليه الإجماع أو الخبر أو الكتاب، فلا تغافل.