و لا ينافيه اشتمال عبارة القدماء على لفظ «الخفّ» و «الجرموق» و «الجورب» و «الشّمِشْك» [1] لظهور إرادتهم من ذلك التمثيل، كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم فيه.
كالأخبار؛ فإنّها و إن كانت تقرب إلى التواتر في النهي عن المسح على الخفّ، لكن الظاهر من فحاويها التعميم لكلّ حائل؛ لوقوع الاستدلال فيها على ذلك بالآية الكتابية، و أنّه «سبق الكتاب المسح على الخفّين»، و نحو ذلك.
و في خبر الكلبي النسّابة: قلت له (عليه السلام): ما تقول في المسح على الخفّين؟ فتبسّم، ثمّ قال: «إذا كان يوم القيامة، و ردّ اللّٰه كلّ شيء إلى شيئه، و ردّ الجلد إلى الغنم، فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟» [2].
فلا ينبغي الإشكال في أنّ ملاحظة الأخبار في خصوص الخفّين و الوضوءات البيانيّة، تشرف الفقيه إلى القطع بإرادة التعميم لكلّ حائل، كما ادّعاه من عرفت.
و من العجب أنّ العامّة العمياء يجتزون بالمسح على الخفّ، و لا يجتزون به على الرجل، بل يوجبون الغَسل.
و أصل إضلالهم في ذلك عمر، كما يُنبئ عنه خبر رقية بن مصقلة، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فسألته عن أشياء، فقال:
«إنّي أراك ممّن يُفتي في مسجد العراق، قلت: نعم، فقال لي: من أنت؟ فقلت: ابن عمّ لصعصعة، فقال: مرحباً بابن عمّ صعصعة، فقلت: ما تقول في المسح على الخفّين؟ فقال: كان عمر يراه ثلاثاً للمسافر، و يوماً و ليلة للمقيم، و كان أبي لا يراه في سفر و لا في حضر، فلما خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب، فقال: أقبل يا ابن عمّ صعصعة، فأقبلت عليه، فقال: إنّ القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون و يصيبون، و كان أبي لا يقول برأيه» [3].
قلت: و من العجيب أنّ عمر قد نبّهه أمير المؤمنين (عليه السلام) و لم يتنبّه، فإنّه روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم)، و فيهم عليّ (عليه السلام)، و قال: ما تقولون في المسح على الخفّين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال:
رأيت رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله و سلم) يمسح على الخفّين، فقال عليّ (عليه السلام): قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: لا أدري، فقال عليّ (عليه السلام): «سبق الكتابَ المسحُ على الخفّين، إنّما نزلت المائدة قبل أن يُقبض بشهرين أو ثلاثة» [4].
فإن تنبّه و لمّا يرجع فهو أعجب، فكيف؟! و هو المرجع له في كلّ ملمّة، حتى قال: «لو لا عليّ لهلك عمر» [5].
مع أنّه قد اعترف أنّ كلّ الناس أفقه منه حتى المخدرات [6].
و كيف كان، فالمسألة مفروغ منها بين الشيعة.
[1] كذا في مجمع البحرين (5: 277)، و في البستان (574): «شَمْشك» من ملابس الرعاة.