و دعوى الدخول [أي دخول الندب تحت الوجوب] فيه [في فرض الصلاة على الجنازتين] ممنوعة. [و ذلك] كمنع ما ذكره [الشهيد] الأوّل من أنّه لا يضرّ اعتقاد منع الترك لأنّه مؤكّد؛ إذ كيف لا يقدح مع كونه فصلًا مميّزاً للفعل عن جائز الترك؟! فتأمّل جيّداً.
و في الذخيرة في دفع الإشكال [أي التضادّ بين الوجوب و الندب] ما هذا لفظه: «الأقرب أن يقال: لمّا دلّ الدليل على إجزاء غسل واحد عنهما، يلزم أن يقال: إحدى الوظيفتين تتأتّى بالاخرى، بمعنى أنّه يحصل له ثوابها و إن لم يكن من أفرادها حقيقة، كما تتأدّى صلاة التحيّة بالفريضة و الصوم المستحب بالقضاء، أو يقال: ما دلّ على استحباب غسل الجمعة مختصّ بصورة لا يحصل سبب الوجوب، و المراد من كونه مستحباً أنّه مستحب من حيث كونه غسل الجمعة مع قطع النظر عن طريان العارض المقتضي للوجوب» [1] انتهى.
و فيه: أنّ ما ذكره أوّلًا مخالف لمراد أصحابه؛ لتصريحهم بكونه من أفراده، و أنّ المراد بغسل الجمعة جريان الماء على الأعضاء قربة و إن كان في ضمن الواجب. ثمّ إنّه مع نيّتهما معاً- كما هو الفرض- تأدية إحداهما بالاخرى إن كانت مخصوصة فهو ترجيح بلا مرجّح، و إن كانت على الإبهام لا معنى له. بل لا يخفى ما في كلامه [صاحب الذخيرة] الأخير بحيث لا يحتاج إلى بيان.
نعم، ربما يقال في دفع أصل الإشكال: بأنّه لا مانع من اجتماع الوجوب و الندب في شيء واحد من جهتين، بمعنى أن يكون فرداً لكلّيين أحدهما متعلّق الوجوب و الآخر متعلّق الندب؛ و ذلك لاختلاف متعلّقهما حقيقة.
لكن فيه: أنّ الامتثال وقع في الشخص الموجود في الخارج، و هو لا تعدّد فيه، و إن جاز ذلك هنا فليجز في الواجب و المحرم كذلك، و هو ليس من مذهبنا، و إن جنح إليه بعض المدقّقين [2] من أصحابنا لهذه الشبهة، و للكلام معه مقام آخر.
و قد يقال في دفع أصل الإشكال: إنّه نمنع التنافي في اجتماع الواجب و المندوب، بمعنى اشتمال الفعل على مصلحة الواجب و الندب؛ إذ مصلحة الندب ليس مأخوذاً في مفهومها جواز الترك حتى تنافي مصلحة الواجب و لا هو من مقتضياتها، بل المراد أنّ الفعل مشتمل على مصلحة لم توصله إلى حدّ الإلزام به، فجواز الترك في المندوب من أصل الأفعال، فلا ينافي اشتماله على مصلحة توصله إلى حدّ الإلزام بالعارض.
و قول الفقهاء: إنّ الواجب و المندوب متنافيان، يراد به ما لو كان أصل الفعل موضوعاً على ذلك، أو يراد به مع ملاحظة الحيثيّة. و استوضح ذلك في نيّة الضمائم المندوبة مع الواجب، فإنّه لا يعرف من أحد الإشكال فيها. فيكون معنى اجتماع الواجب و المندوب حينئذٍ أنّه قد يحصل فعل جامع للمصلحتين إحداهما مصلحة الواجب و الاخرى مصلحة الندب، بمعنى أنّها حيث تكون منفردة لا توصل الفعل إلى حدّ الوجوب و الإلزام، فتأمّل.
و ممّا ذكرنا يظهر لك دليل القول بعدم التداخل في الفرض و جوابه.