اسم الکتاب : جامع الشتات المؤلف : الشيخ الخواجوئي الجزء : 1 صفحة : 150
الاستدلال بالآيات و الروايات من السلف إلى الخلف على الظاهر المتبادر، لا أن يفسّره بمجرّد رأيه و ميله و استحسان عقله من غير دليل و لا شاهد غير معتبر عقلًا و نقلًا كما يوجد في كلام المبتدعين، فإنّهم يأوّلونه علىٰ وفق آرائهم ليحتجّوا به على أغراضهم الفاسدة و أديانهم الكاسدة، و لو لا ذلك الرأي لم يكن لهم من القرآن ذلك المعنى. و هذا يكون مع العلم تارة كالذي يحتجّ بآية علىٰ تصحيح بدعته و هو يعلم أنّه ليس المراد بها ذلك و لكن يلبس به على خصمه، و مع الجهل اخرى، و لكن إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، و لو لا رأيه لما كان يترجّح عنده ذلك الوجه، و تارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلًا من القرآن و يستدلّ عليه بما يعلم أنّه غير مراد و لكن يقول به لتغرير الناس و دعوتهم على مذهبه الباطل فينزل القرآن علىٰ رأيه و مذهبه على أمر يعلم قطعاً أنّه ما أُريد به ذلك.
و ذلك كما روى الصدوق في معاني الأخبار
عن الصادق (عليه السلام) «قال: من اتّبع هواه و أُعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامّة تعظمه و تصفه، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محلّه، فرأيته قد أحدق به خلق كثير من غثاء العامّة، فوقفت منتبذاً عنهم متغشّياً بلثام أنظر إليه و إليهم، فما زال يراوغهم[1]حتّى خالف طريقهم و فارقهم و لم يقرّ، فتفرّقت عنه العوام لحوائجهم، و تبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فتغفّله فأخذ من دكّانه رغيفين مسارقة، فتعجّبت منه، ثمّ قلت في نفسي: لعلّه معاملة، ثمّ مرّ بعده بصاحب رمّان فما زال به حتّى تغفّله فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة، فتعجّبت منه، ثمّ قلت في نفسي: لعلّه معاملة، ثمّ أقول: و ما حاجته إذاً إلى المسارقة؟ ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض فوضع الرغيفين و الرمّانتين بين يديه و مضى، و تبعته حتّى استقرّ في بقعة من الصحراء، فقلت له:
[1] يراوغهم: يخالفهم و يميل عن طريقتهم، راغ الرجل روغاً و روغاناً مال و حاد عن الشيء «منه».
اسم الکتاب : جامع الشتات المؤلف : الشيخ الخواجوئي الجزء : 1 صفحة : 150