و ذهب في «الدرر»: إلى أصالة التعبّديّة في صورة الشّكّ و عدم صحّة التمسّك بالإطلاق بعد اختياره أوّلًا أصالة التوصّليّة، و مهّد لذلك مقدّمات:
الاولى: أنّ العلل الشرعيّة كالعلل التكوينيّة في أنّه كما لا يمكن أن يكون لعلّة واحدة معلولات متعدّدة في التكوينيّات كذلك في التشريعيّات، و فرّع عليها أنّ الأمر للمرّة لا للتكرار، و أنّه للفور؛ لعدم تخلّف المعلول عن العلّة في التكوينيّات فكذلك في التشريعيّات، و أنّه لا يجوز تداخل الأسباب الشرعيّة؛ لاستحالة تأثير علل متعدّدة تامّة في معلول واحد.
الثانية: أنّ الأوامر متعلِّقة بالطبائع المطلقة، لا بصرف الوجود.
الثالثة: أنّ القيود على قسمين: قسم يمكن أخذه في متعلّق الأمر، كالطهارة في الصلاة، و العدالة و الإيمان في الرقبة، و قسم لا يمكن أخذه فيه و تقييده به، كالإيصال في المقدّمة الموصلة، فإنَّ الإيصال من لوازم ذات المقدّمة الموصلة، و لا تقبل تقيّدها به، فهي لا مطلقة؛ للضيق الذاتي فيها، و لا مقيّدة؛ لعدم تقييدها في اللّفظ بالإيصال، و كذلك قيد قصد الامتثال و التقرّب و نحوهما، فإنّ الأوامر و إن كانت مطلقة في اللّفظ، و لم تكن مقيّدة بها، لكنّها متقيّدة بها في نفس الأمر، فلها ضيق ذاتي في الواقع، فهي لا مطلقة و لا مقيّدة، و حينئذٍ فلا إطلاق حتّى يُتمسّك به في المقام، فإذا ورد أمر و شكّ في أنّه تعبّدي أو توصّلي فلا يقع التمسّك بالإطلاق و الحكم بالتوصّليّة، بل الأصل هو التعبّديّة [1] انتهى.
و فيه: أنّ ما ذكره (قدس سره) من أنّ الأوامر الشرعيّة كالأوامر التكوينيّة، و قياسها بها ممنوع جدّاً فإنّه لا اسم و لا رسم و لا أثر للمعلول في الوجود في التكوينيات قبل وجود علّته، فوجود المعلول إنّما هو لأجل علّيّة العلّة له، بخلافه في التشريعيّات.
[1]- انظر درر الفوائد: 100- 101. و يحتمل أنّ الإمام الخميني (قدس سره) أخذه من نفس المحقّق الحائري في مجلس درسه فلاحظ.