و الحاصل: أنّه إن اريد من استعمال صيغة الأمر في المعاني المذكورة هو ما ذكرناه، فنعم الوفاق.
و إن اريد أنّها كما تُستعمل في إيجاد البعث حقيقة، كذلك تستعمل في التمنّي و الترجّي و نحو ذلك، فهو خلاف الوجدان و الذوق السليم.
فالحقّ: أنّ هيئة صيغة الأمر في جميع الموارد موضوعة لإيجاد البعث، و مستعملة فيها بالإرادة الاستعمالية، و يراد منها بالإرادة الجدّيّة أحد المعاني المذكورة، كما في سائر المجازات.
و هكذا الكلام في الأوامر المستعملة الواردة في كلام اللَّه المجيد، نحو: «كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً»[1] و «كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ»*[2] و نحوها إذا لم نقل بأنها أوامر تكوينيّة، فإنّها مستعملة في البعث بداعي التعجيز و الترجّي و التسخير؛ بنحو يمكن أن ينسب إليه تعالى و في حقّه تعالى، لا بمعانيها التي تنسب إلى غيره تعالى، المستلزمة لتأثّر النفس لاستحالته بالنسبة إليه تعالى، و هكذا الكلام في الأوامر الامتحانيّة و الاستفهامات الواردة في القرآن المجيد و نحوها مثل ألفاظ الترجّي، كقوله تعالى:
«لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى»[3]، فإنّها ليست للاستعلام و الاستفهام الحقيقي، بل استعملت في الاستفهام، لكن المراد الجدّي غيره، و كذلك التمنّي و الترجّي، و لعلّ قوله تعالى: «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى» إشارة إلى آداب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛ من رعاية الملاءمة، و القول الليِّن، و عدم التغليظ بالقول، و إعمال الخشونة حتّى في مثل فرعون، الذي بلغ في الطغيان و العصيان غايتهما حتّى استعلى عليه تعالى.