إذا عرفت ذلك نقول: معنى الآية الشريفة: هو أنّ «ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ» من الخيرات «فَمِنَ اللَّهِ»؛ لما عرفت من صحّة إسناد جميع الأفعال الصادرة من الإنسان إليه تعالى حقيقةً، «وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ» أي نقص و حدّ «فَمِنْ نَفْسِكَ»، و لا يصحّ إسناده إليه تعالى أوّلًا و بالذات، بل المنسوب إليه تعالى أوّلًا و بالذات هو وجود الإنسان فقط، دون محدوديّته و نقصه، كما أنّ محدودية إشراق المرآة لا يستند إلى الشمس، و إنّما يستند إليها إشراقها فقط.
و هكذا الكلام في قوله تعالى في الحديث القدسي:
(يا ابنَ آدم أنا أولى بحسناتك منك، و أنت أولى بسيئاتك منّي)
ثمّ إنّ للأشاعرة شبهات استدلّوا بها لمذهبهم أسدّها و أتقنها عندهم هو: أنّ الأفعال الصادرة من الإنسان لو صدرت بالاختيار، فمعنى الاختيار هو أنّها مسبوقة بالإرادة، و ننقل الكلام إليها، و نقول: إنّها أيضاً من أفعال النفس، فإمّا هي صادرة بلا اختيار فهو المطلوب، و يلزمه عدم اختياريّة الفعل الخارجي أيضاً له، فإنّ أثر الفعل الغير الاختياري أيضاً غير اختياري، و إمّا هي صادرة عن اختيار فهو أيضاً مسبوق بالإرادة، و ننقل الكلام إليها .. و هكذا، فإمّا أن ينتهي إلى إرادة غير اختياريّة، أو إلى الإرادة الأزليّة الأبديّة السرمديّة، و هو المطلوب، أو يتسلسل، و هو محال [2].
و اجيبَ عن ذلك بوجوه:
أحدها: ما عن المحقّق الداماد من أنّ التسلسل الذي هو محال هو ترتّب امور غير متناهية في الوجود، و ما نحن فيه ليس كذلك؛ إذ الإرادة حالة شوقيّة وجدانيّة للنفس، و الإراداتُ المترتّبة على الوجه المذكور من الامور الاعتباريّة، فإذا لم يعتبرها