متأصِّلًا و متعلَّقاً للجعل أوّلًا و بالذات- كأصل وجود المعلول- لزم أن يكون المتحقّق أصلين و أنّ الواجب تعالى واجد لهما، و إلّا لزم النقص في ذاته تعالى، فيلزم التركّب في ذاته، المستلزم للإمكان، تعالى اللَّه عن ذلك.
فثبت أنّ الحدّ و النقص في الصادر ليس متعلّقاً للجعل أوّلًا و بالذات، بل ثانياً و بالعرض و تبعاً للوجود، و أنّهما من ناحية ذات المعلول.
و لا بأس بإيراد مثال في المقام- لتقريب المراد إلى الأذهان- ذكره بعض الأعاظم (قدس سره): و هو أنّه لو جعلت مرآة في مقابل الشمس، فإشراقها أوّلًا و بالذات إنّما هو في المرآة، و انعكاس الإشراق من المرآة إلى الجدار- مثلًا- إنّما هو بالعَرض، فإشراق الشمس في المرآة إشراق تامّ كامل، لا نقص و لا محدوديّة فيه أصلًا، و أمّا الإشراق من المرآة إلى الجدار فهو ناقص محدود، و هذا الحدّ و النقص ليسا من ناحية الشمس؛ لأنّ إشراقها الذاتي الأوّلي غير محدود، بل هو من ناحية المرآة التي هي الواسطة في الإشراق في الجدار، و هذه المحدوديّة و النقص أمر اعتباري عدمي، لا أمر حقيقي؛ بأن يقال: إنّ الصادر من الشمس أمران: الإشراق و النقص، فقالت المفوّضة:
إنّ الموجد للإشراق الثاني في الجدار هي المرآة مستقلّة، و قالت المجبِّرة: إنّه الشمس ليس إلّا، و نحن نقول: هو المرآة، لكن لا استقلالًا، بل بإشراق الشمس في المرآة؛ بحيث لو لا إشراق الشمس لم يصدر الإشراق الثاني من المرآة، فهي موجدة له بإعانة الشمس [1].
و هنا أمثلة اخرى كالتمثيل للمقام بقوى النفس و جوارحها.
و بالجملة: إنّ القولين المزبورين في طرفي الإفراط و التفريط، و مخالفان للبراهين العقليّة القطعيّة، و إنّ الموافق للبراهين و الآيات و الأخبار هو القول الثالث، و هو الأمر بين الأمرين.