بمنجّزيّة العلم و الاحتمال معاً تجب الموافقة القطعيّة، لأنّ الاحتمال في كلٍّ من الطرفين منجّز عقلًا ما لم يرد إذن في مخالفته، و المفروض عدم ثبوت الإذن. و على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان القائل بمنجّزيّة العلم دون الاحتمال فيقتصر على مقدار ما تقتضيه منجّزيّة العلم بالجامع على الافتراضات الثلاثة المتقدّمة فيها.
و أمّا إذا لم نبنِ على استحالة الترخيص في المخالفة القطعيّة عن طريق إجراء أصلين مؤمّنين في الطرفين فقد يقال حينئذ: إنّه لا يبقى مانع من التمسّك بإطلاق دليل البراءة لإثبات جريانها في كلٍّ من الطرفين، و نتيجة ذلك جواز المخالفة القطعيّة.
و لكنّ الصحيح مع هذا عدم جواز التمسّك بالإطلاق المذكور، و ذلك:
أوّلًا: لأنّ الترخيص في المخالفة القطعيّة و إن لم يكن منافياً عقلًا للتكليف الواقعيّ المعلوم بالإجمال إذا كان ترخيصاً منتزعاً عن حكمين ظاهريّين في الطرفين و لكنّه مناف له عقلائياً و عرفاً، و يكفي ذلك في تعذّر الأخذ بإطلاق دليل البراءة.
و ثانياً: أنّ الجامع قد تمّ عليه البيان بالعلم الإجماليّ، فيدخل في مفهوم الغاية لقوله تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا[1].
و مقتضى مفهوم الغاية أنّه مع بعث الرسول و إقامة الحجّة يستحقّ العقاب، و هذا ينافي إطلاق دليل الأصل المقتضي للترخيص في المخالفة القطعيّة.
و بذلك نصل إلى نفس النتائج المشار إليها سابقاً على تقدير