اسم الکتاب : تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : الطبري، ابن جرير الجزء : 1 صفحة : 29
و ادل الدلائل- لمن فكر بعقل، و اعتبر بفهم- على قدم بارئها، و حدوث كل ما جانسها، و ان لها خالقا لا يشبهها.
و ذلك ان كل ما ذكر ربنا تبارك و تعالى في هذه الآية من الجبال و الارض و الإبل فان ابن آدم يعالجه و يدبره بتحويل و تصريف و حفر و نحت و هدم، غير ممتنع عليه شيء من ذلك ثم ان ابن آدم مع ذلك غير قادر على ايجاد شيء من ذلك من غير اصل، فمعلوم ان العاجز عن ايجاد ذلك لم يحدث نفسه، و ان الذى هو غير ممتنع ممن اراد تصريفه و تقليبه لم يوجده من هو مثله، و لا هو اوجد نفسه، و ان الذى انشاه و اوجد عينه هو الذى لا يعجزه شيء اراده، و لا يمتنع عليه احداث شيء شاء احداثه، و هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.
فان قال قائل: فما تنكر ان تكون الأشياء التي ذكرت من فعل قديمين؟
قيل: أنكرنا ذلك لوجودنا اتصال التدبير و تمام الخلق، فقلنا: لو كان المدبر اثنين، لم يخلوا من اتفاق او اختلاف، فان كانا متفقين فمعناهما واحد، و انما جعل الواحد اثنين من قال بالاثنين و ان كانا مختلفين كان محالا وجود الخلق على التمام و التدبير على الاتصال، لان المختلفين، فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه، بان أحدهما إذا أحيا أمات الآخر، و إذا اوجد أحدهما افنى الآخر، فكان محالا وجود شيء من الخلق على ما وجد عليه من التمام و الاتصال.
و في قول الله عز و جل ذكره: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ»، و قوله عز و جل: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ»
اسم الکتاب : تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : الطبري، ابن جرير الجزء : 1 صفحة : 29