اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي الجزء : 20 صفحة : 404
الأوَّل: قولهُ تعالى: لاََ أُقْسِمُ بِيَوْمِ اَلْقِيََامَةِ[1] ، قال اللَّيْث: تأْتي لا زائِدَة مع اليَمِين كقَوْلِكَ لا أُقْسِمُ باللّه.
و قال الزجَّاج: لا اخْتِلافَ بينَ الناسِ أَنَّ مَعْنَى قَوْله تعالى: لاََ أُقْسِمُ بِيَوْمِ اَلْقِيََامَةِ و أشْكالِه في القُرْآنَ مَعْناهُ أَقْسِم، و اخْتَلَفُوا في تَفْسِيرِ لا فقالَ بعضٌ: لا لَغْوٌ، و إن كانت في أَوَّل السُّورَةِ، لأنَّ القُرْآنِ كُلّه كالسُورَةِ الواحِدَةِ لأنَّه مُتَّصِلٌ بَعْضه ببعضٍ، و قالَ الفرَّاء: لا رَدٌّ لكَلامٍ تقدَّمَ، كأنَّه قيلَ ليسَ الأَمْرُ كما ذَكَرْتُم فجعلها نافِيَةً و كان يُنْكِرُ على مَنْ يقولُ إنَّها صِلَةٌ، و كان يقولُ لا يبتدأُ بجَحْدٍ ثم يجعلُ صِلَةً يُرادُ به الطَّرْح، لأنَّ هذا لو جازَ لم يُعْرَف خَبَرٌ فيه جَحْد مِن خَبَرٍ لا جَحْدَ فيه، و لكنَّ القُرْآنَ نزلَ بالرَّدِّ على الذين أَنْكَروا البَعْثَ و الجنَّةَ و النارَ، فجاءَ الإقْسامُ بالرَّدِّ عليهم في كثيرٍ مِن الكَلامِ المُبْتدأِ منه و غَيْر المُبْتدأ كقَوْلكَ في الكَلامِ لا و اللََّه لا أَفْعَل ذلك، جَعَلُوا لا، و إن رأَيْتَها مُبْتدأَةً، رَدًّا لكَلامٍ قد مَضَى، فلو أُلْغِيَتْ لا ممَّا يُنْوَى به الجوابُ لم يَكُنْ بينَ اليَمِينِ التي تكونُ جَواباً و باليمين التي تُسْتَأْنفُ فَرْقٌ، انتَهَى.
و قال التَّقيُّ السَّبكي في رِسالَتِه المَذْكورَةِ عنْدَ قولِ الأَبدِي إنَّ لا لا تَدْخُلُ إلاَّ لتَأْكِيدِ النَّفْي مُعْتذراً عنه في هذه المَقالَة بِما نَصَّه: و لعلَّ مُرادَه أنَّها لا تَدْخُل في أثْناءِ الكَلامِ إلاَّ للنَّفْي المُؤَكّد بخِلافِ ما إذا جاءَتْ في أَوَّلِ الكَلامِ قد يُرادُ بها أَصْلُ النَّفْي كقوله: لا أُقْسِمُ و ما أَشْبَهه، انتَهَى.
فهذا مَيْلٌ منه إلى ما ذَهَبَ إليه الفرَّاء. و منهم مَنْ قال إنَّها لمجَرَّدِ التَّوْكيدِ و تَقْوِيَةِ الكَلامِ، فتأَمَّل.
*الثَّاني: قولهُ تعالى: قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاََّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً[2] ؛ فقيلَ: لا نافِيَة، و قيل: ناهِيَة، و قيل: زائِدَةٌ، و الجَمْيعُ [3] مُحْتَمل، و ما خَبَرِيَّة بمعْنَى الذي مَنْصُوبَة بأَتْلُ، و حَرَّمَ رَبُّكُمْ صِلَةٌ، و عَلَيْكُمْ مُتَعَلَّقٌ ب حَرَّمَ . *الثَّالث: قوْلُه تعالى: وَ مََا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهََا إِذََا جََاءَتْ لاََ يُؤْمِنُونَ[4] ، فيمَنْ فَتَح الهَمْزَةَ، فقالَ الخليلُ و الفارِسِيُّ: لا زائِدَةٌ و إلاَّ لكانَ عُذراً لَهُم، أَي للكُفَّار؛ و رَدَّه الزجَّاجُ و قالَ: إنَّها نافِيَةٌ في قراءَةِ الكَسْرِ، فيجبُ ذلكَ في قِراءَةِ الفَتْح، و قيل: نافِيَةٌ و حُذِفَ المَعْطوفُ أَي أَو أنَّهمُ يُؤْمِنُون. و قالَ الخليلُ مَرَّة: أَنّ بمعْنَى لعلَّ و هي لُغَةٌ فيه.
*الرابع: قولُه تعالى: وَ حَرََامٌ عَلىََ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا أَنَّهُمْ لاََ يَرْجِعُونَ[5] ؛ قيلَ زائِدَة، و المَعْنى مُمْتَنِعٌ على أَهْلِ قَرْيةٍ قَدَّرْنا إهْلاكَهم لكُفْرِهم أَنَّهم يَرْجِعُون عن الكُفْرِ إلى القِيامَةِ، و هذا قَرِيبٌ مِن تَقْريرِ الفرَّاء الذي تقدَّم؛ و قيل: نافِيَةٌ، و المَعْنى مُمْتَنِعٌ عليهم أَنَّهم لا يَرْجِعُون إلى الآخِرَة.
*الخامس: قولهُ تعالى: وَ لاََ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا اَلْمَلاََئِكَةَ وَ اَلنَّبِيِّينَ أَرْبََاباً[6] ، قُرىءَ في السَّبْع برَفْع يَأْمُرَكُمْ و نَصْبِه، فمَنْ رَفَعَه قَطَعَه عمَّا قَبْلَه، و فاعِلُه ضَمِيرُه تعالى أَو ضَمِيرُ الرَّسُولِ، و لا على هذه نافِيَةٌ لا غَيْر؛ و مَنْ نَصَبَه فهو مَعْطوفٌ على يُؤْتِيَهُ اَللََّهُ اَلْكِتََابَ ، و على هذا لا زائِدَةٌ مُؤَكَّدَةٌ لمعْنَى النَّفْي.
*السَّادس: قولُه تعالى: فَلاَ اِقْتَحَمَ اَلْعَقَبَةَ[7] ، قيل: لا بمعْنَى لم، و مِثْله في: فَلاََ صَدَّقَ وَ لاََ صَلََّى[8] ، إلاَّ لا بهذا المَعْنى إذا كُرِّرَتْ أَسْوَغُ و أَفْصَحُ منها إذا لم تُكَرَّرْ؛ و قد قالَ الشاعرُ: