اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي الجزء : 20 صفحة : 377
اللاَّزمَ مُتَعدِّياً بتَضَمُّنِه مَعْنى التَّصْيير، فإنَّ مَعْنى ذَهَبَ زَيْدٌ، صَدَرَ الذَّهابُ منه، و مَعْنَى ذَهَبْتُ بزَيْدٍ صَيَّرته ذاهِباً، و التَّعْدِيَةُ بهذا المَعْنى مُخْتصَّة بالباءِ ، و أَمَّا التّعْدِيَة بمعْنَى إلْصاقِ مَعْنى الفِعْل إلى مَعْمولِه بالواسِطَةِ، فالحُروفُ الجارَّةُ كُلُّها فيها سَواءٌ بلا اخْتِصاص بالحَرْفِ دُونَ الحَرْف. و في اللّبابِ: و لا يكونُ مستقرّاً على ما ذُكِر يُوضِح ذلكَ قولهُ:
دِيارُ التي كادَتْ و نَحْن على منى # تحلُّ بِنا لَوْ لا نجاء الرَّكائِبِ
و قال الجَوْهرِي: و كلُّ فِعْل لا يَتَعَدَّى فلَكَ أَن تُعدِّيه بالباءِ و الألِفِ و التَّشْديدِ تقولُ: طارَ به، و أَطارَهُ، و طَيَّره.
قال ابنُ برِّي: لا يصحُّ هذا الإطْلاقُ على العُمومِ لأنَّ مِن الأفْعالِ ما يُعدَّى بالهَمْزةِ و لا يُعدَّى بالتِّضْعيفِ نحو:
عادَ الشيءُ و أَعَدْتَه، و لا تَقُلْ عَوَّدْتَه، و منها ما يُعدَّى بالتَّضْعيفِ و لا يُعدَّى بالهَمْزةِ نحو: عَرَفَ و عَرَّفْتُه، و لا يقالُ أعْرَفْتُه، و منها ما يُعدَّى بالباءِ و لا يُعَدَّى بالهَمْزةِ و لا بالتَّضْعيفِ نحو دَفَعَ زَيْدٌ عَمْراً و دَفَعْتُه بعَمْرِو، و لا يقالُ أَدْفَعْتُه و لا دَفَّعْتُه.
و للاسْتِعانَةِ ، نحو: كتَبْتُ بالقَلَم و نَجَرْتُ بالقَدُومِ و ضَرَبْتُ بالسَّيْفِ، و منه باءُ البَسْمَلَةِ ، على المُخْتارِ عنْدَ قَوْمٍ، و رَدَّه آخَرُونَ و تَعَقّبُوه لمَا في ظاهِرِه مِن مُخالَفَةِ الأدَبِ، لأنَّ باءَ الاسْتِعانَةِ إنَّما تَدْخُلُ على الآلاتِ التي تُمْتَهَنُ و يُعْمَل بها، و اسْمُ اللََّه تعالى يَتَنَزَّه عن ذلكَ؛ نقلَهُ شيْخُنا.
و قال آخَرُون: الباءُ فيها بمعْنَى الابْتِداءِ كأنَّه قال أَبْتَدِىءُ باسْمِ اللََّه.
و للسَّبَبِيَّةِ ، كقوله تعالى: فَكُلاًّ أَخَذْنََا بِذَنْبِهِ[1] ، أَي بسَبَبِ ذَنْبِهِ؛ و كَذلكَ قوله تعالى: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخََاذِكُمُ اَلْعِجْلَ[2] ، أَي بسَبَبِ اتِّخاذِكُم؛ و منه 16- الحديثُ : «لنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُم الجنَّةَ بعَمَلِه» .و للمُصاحَبَةِ ، نحو قوله تعالى: اِهْبِطْ بِسَلاََمٍ مِنََّا[3] ، أَي: معه ؛ و قد مَرَّ له في مَعانِي في أنَّها بمعْنَى المُصاحَبَة، ثم بمعْنَى مَعَ، و تقدَّمَ الكَلامُ هناك؛ و منه أَيْضاً قوله تعالى: وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ[4]، أَي معه؛ و قوله تعالى:فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ *[5]، و سُبْحانَك و بحَمْدِك. و يقالُ: الباءُ فيفَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ *للالْتِباسِ و المُخالَطَةِ [6] كقوله تعالى:تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ[7]، أَي مُخْتَلِطَةً و مُلْتَبِسَةً به، و المَعْنى اجْعَلْ تَسْبِيحَ اللََّه مُخْتلِطاً و مُلْتَبِساً بحَمْدِه. و اشْتَرَيْتُ الفَرَسَ بِلجامِه و سرْجِه. و في اللُّباب: و للمُصاحَبَةِ في نَحْو: رَجَعَ بخُفَيِّ حُنَيْن، و يُسَمَّى الحَال، قالوا: و لا يكونُ إلاَّ مُسْتقرَّة و لا صَادّ عن الإلْغاءِ عِنْدِي.
و للظَّرْفِيَّةِ بمعْنَى في، نحو قوله تعالى: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللََّهُ بِبَدْرٍ[8] ، أَي في بَدْرٍ؛ ونَجَّيْنََاهُمْ بِسَحَرٍ[9] ، أَي في سَحَرٍ؛ و فلانٌ بالبَلَدِ، أَي فيه؛ و جَلَسْتُ بالمسْجِدِ، أَي فيه؛ و منه قولُ الشاعرِ:
و يستخرج اليربوع من نافقائه # و من حُجرِه بالشيحة اليتقصع
أي في الشّيحةِ و منه أَيْضاً قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ اَلْمَفْتُونُ[10] ، و قيل: هي هنا زائِدَةٌ كما في المُغْني و شُرُوحِه، و الأوَّل اخْتارَه قَوْمٌ.
[6] في مغني اللبيب ص 140 و قد اختلف في الباء في فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ* فقيل للمصاحبة، و الحمد مضاف إلى المفعول أي فسبحه حامداً له، أي نزهه عما لا يليق به... و قيل: للاستعانة، و الحمد مضاف إلى الفاعل، أي سبحه بما حمد به نفسه، إذ ليس كل تنزيه بمحمود.