إلاَّ ، بالكسْرِ و التَّشْديدِ: للإسْتِثْناءِ ، و تكونُ حَرْفَ جَزاءٍ أَصْلُها إنْ لا، و هُما معاً لا يُمالانِ لأنَّهما مِن الأدواتِ حَقًّا.
قالَ الجَوْهرِي: يُسْتَثْنى بها على خَمْسِةِ أَوجُهٍ: بعْدَ الإيجابِ، و بعْدَ النَّفْي، و المُفَرَّغ، و المُقَدَّمِ، و المُنْقَطِع، فتكونُ في الاسْتِثْناءِ المُنْقَطِع بمعْنى لكن لأنَّ المُسْتَثْنَى مِن غَيْر جِنْسِ المُسْتَثْنَى منه، انتَهَى.
فمثالُ الإيجابِ: قوله تعالى: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاََّ قَلِيلاً[2]، و نَصْبُ ما بعْدَها بها. قال شيْخُنا: نَصْبُ المُسْتَثْنى بإلاّ هو الأصَحّ مِن أقْوالٍ ثمانِيَةٍ كما في التّسْهيلِ و شُرُوحِه.
و مِثالُ النَّفْي: قوله تعالى: مََا فَعَلُوهُ إِلاََّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ[3]، و رَفْعُ ما بعْدَها على أَنَّه بَدَلُ بَعْضٍ ؛ ففي هذه الآيةِ وقعَ في كَلامٍ غَيْر مُوجَب، و التَّقْديرُ إلاَّ ناسٌ قَليلٌ، أَي إلاَّ ناساً قليلاً، فإلاَّ حَرْفُ الاسْتِثْناء، و قَليلٌ بَدَلٌ، و المُبْدَلُ منه هو الواو، و لو كانَ في كَلامٍ مُوجَب لم يَجزِ البَدَل لفَسادِ المَعْنى، و إنَّما يختارُ البَدَل لعَدَمِ فَسَادِ المَعْنى حينَئِذٍ، و إذا جعلَ بدلاً كانَ إعْرابه كإعْرابِ المُبْدَل فلا يحتاجُ إلى تَكَلّفٍ، و إذا كانَ مُسْتَثْنى كانَ مَنْصوباً فيحتاجُ إلى تَكَلّف، و هو تَشْبِيههٌ بالمَفْعولِ به مِن حيثُ أنَّ كلَّ واحِدٍ منهما فُضْلَةٌ واقِعةٌ بعْدَ كَلامٍ تامٍّ، ثم إنَّ غيرَ المُوجبِ قد يكونُ اسْتِفْهاماً و نَهْياً، و هذا الاسْتِفْهام يلزمُ أن يكونَ على سَبِيلِ الإنْكارِ مِثالُه قوله تعالى: وَ مَنْ يَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ إِلاَّ اَللََّهُ[4] ؛ و مِثالُ النَّهْي: لا يَقُمْ أَحَد إلاَّ أَحَد؛ قالَهُ الرِّضِيُّ.
و تكونُ إلاَّ صِفَةً بمنْزِلَةِ غَيْر فيُوصَفُ بها و بتاليها أَوبهما، جَمْعٌ مُنْكَرٌ أَو شِبْهُه. اعْلَم أنَّ أَصْلَ إلاَّ أَنْ يكونَ للإسْتِثْناء، و أَصْلَ غَيْر أنْ يكونَ صفَةً تابعَةً لمَا قَبْله في الإعْراب، و قد يَجْعلُونَ إلاَّ صِفَة حملاً على غَيْر إذا امْتَنَعَ الإسْتِثْناء، و ذلكَ إذا كانتْ إلاَّ تابعَةً لجَمْعٍ مَنْكورٍ غَيْر مَحْصُورٍ، نحو قولهِ تعالى: لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلاَّ اَللََّهُ لَفَسَدَتََا[5] ، فقَوْلُه إِلاَّتابِعَة لقَوْلهِآلِهَةٌ، و قوْلُه : إِلاَّ اَللََّهُ صفَةٌ لقوْلهِ آلِهَةٌ ، تَقْديرُ لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ غَيْر اللََّه لَفَسَدَتَا، لأنَّ الجَمْعَ المَنْكور غَيْرُ مَحْصُورٍ يُحْتَمل أن يَتناوَلَ ثلاثَةً فقط، و لم يكن المُسْتَثْنَى مِن جُمْلةِ الثَّلاثةِ حينَئِذٍ لعَدَمِ إفادَتِه التَّعْمِيم و الاسْتِغْراق، و لأنَّه لو جُعِلت إلاَّ للإسْتِثْناء لكانَ اللََّه مُسْتَثْنى داخلاً في المُسْتَثْنى منه و هو آلِهَة، فخَرَجَا منها بإلاَّ ، فيَلْزمُ وُجُود الآلِهَة و هو كُفْرٌ، فإذا امْتَنَعَ الاسْتِثْناءُ جُعِلَت إلاَّ للصِّفَة كغَيْر، كما جُعِل غَيْر للاسْتِثْناءِ، حملاً على إلاَّ . و كذا في قولهِ ، أَي الشَّاعر، و هو ذُو الرُّمّة، و هو مِثالٌ للجَمْع شبه المنكر:
فإنَّ تَعْريفَ الأصْواتِ تَعْريفُ الجنْسِ، كما مَرَّ ذلكَ للمصنِّفِ في «ا ل ل» .
و قال الجَوْهرِي: و قد يُوصَفُ بإلاَّ ، فإنْ وَصَفْت بها جَعَلْتها و ما بعْدَها في مَوْضِع غَيْر و أتْبَعْتَ الاسْمَ بعْدَها ما قَبْلَه في الإعْرابِ فقُلْتَ: جاءَني القَوْمُ إلاَّ زيْدٌ، كقوله تعالى: لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلاَّ اَللََّهُ لَفَسَدَتََا ؛ و قالَ عَمْرُو ابنُ مَعْدِيكرب:
[6] ديوانه ص 638، و البيت من شواهد القاموس، و الشاهد 112 في مغني اللبيب ذكره مثالاً على المعرف الشبيه بالمنكر.
[7] الصحاح و اللسان و بدون نسبة في التهذيب و مغني اللبيب الشاهد 114 و التكملة قال الصاغاني: و هكذا أنشده سيبويه (الكتاب 1/ 371) لعمرو، و ليس له و إنما هو لحضرمي بن عامر بن مجمع بن مؤلة بن همام بن ضب بن كعب القين، و قبله:
و كل قرينة قرنت بأخرى # و إن ضنت بها ستفرقان.
اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي الجزء : 20 صفحة : 371