اسم الکتاب : أساس البلاغة المؤلف : الزمخشري الجزء : 1 صفحة : 8
و من خصائص هذا الكتاب تخيُّر ما وقع في عبارات المُبْدِعين، و انطوى تحت استعمالات المُفْلِقِين؛ أو ما جاز وقوعُه فيها، و انطواؤه تحتها، من التراكيب التي تَمْلُح و تَحْسُن، و لا تَنْقبِضُ عنها الألسُن؛ لجريها رَسْلاتٍ على الأسَلات، و مرورها عَذْباتٍ على العَذَبات.
و منها التوقيفُ على مناهج التركيب و التأليف، و تعريف مدارج الترتيب و الترصيف؛ بسَوْق الكلمات مُتناسقة لا مُرْسَلَةً بَدَدا، و متناظِمَةً لا طَرائِقَ قِدَدا؛ مع الاستكثار من نوابغ الكَلِمِ الهادية إلى مَرَاشد حُرّ المنطِق، الدالّةِ على ضالّةِ المِنْطِيق المُفْلِق.
و منها تأسيسُ قوانين فصل الخطاب و الكلام الفصيح، بإفراد المجاز عن الحقيقة و الكناية عن التصريح.
فمن حصّل هذه الخصائصّ و كان له حظّ من الإعْراب الذي هو ميزانُ أوضاع العربيّة و مقياسُها، و مِعيار حكمة الواضع و قِسْطاسُها، و أصاب ذَرْواً من علم المعاني، و حَظيَ برَشّ من علم البيان، و كانت له قبل ذلك كلّه قريحةٌ صحيحة، و سَليقَةٌ سَلِيمة؛ فَحُلَ نَثْرُه، و جَزُلَ شِعْرُه؛ و لم يَطُل عليه أن يُناهزَ المقدَّمين، و يخاطر المُقْرَمِين.
و قد رُتّبَ الكتاب على أشهر ترتيبٍ مُتَداوَلاً، و أسهله مُتَنَاوَلاً؛ يَهْجُم فيه الطالبُ على طَلِبَتِه موضوعةً على طَرَفِ الثُّمامِ و حبل الذّراع، من غير أن يحتاج في التّنْقير عنها إلى الإيجاف و الإيضاع؛ و إلى النظر فيما لا يُوصَل إلاّ بإعمال الفكر إليه، و فيما دقّق النظر فيه الخَليلُ و سِيبَوَيْه. و اللّه سبحانه و تعالى الموفّق لإفادة أفاضل المسلمين، و لِمَا يتّصل برضا ربّ العالمين.
اسم الکتاب : أساس البلاغة المؤلف : الزمخشري الجزء : 1 صفحة : 8