كون الشبهة هنا من الشبهة في مفهوم الموضوع فيلزم الاجتناب، لأنه من قبيل التكليف بالمجمل. و يمكن دفع ذلك بمنع كون المقام من ذلك بعد معلومية جملة من الأفراد الذي يحتمل كون تمام ماهية الغناء مما اشتملت عليه فيشك حينئذ في حرمة الزائد و ينفى بأصل البراءة، و لا يعارض ذلك حرمة الغناء؛ لأحتمال كون تمام ماهيته ما في الأفراد المعلومة.
فان قلت: أن الذمة قد اشتغلت بوجوب اجتناب المحرم، و مع ارتكاب الفرد المشكوك به لا يعلم الفراغ و الامتثال، قلت: ليس في الأفراد المشتبهة فرد محرم حتى يجب اجتناب الجميع، و أحد المحتملات اباحتها جميعاً أو انحصار الحرمة في الأفراد المعلومة فإذا كان كذلك فالقول بلزوم الاجتناب للمقدمة مما لا ينبغي هنا فتبصرْ.
و من جملة ما يحرم التكسب به ( (معونة الظالمين))
لأنها محرمة ذاتاً، و كل ما كان كذلك يحرم التكسب به، أما الكبرى فواضحة؛ لقوله (صلّى الله عليه و آله و سلم): (اذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه) [1]، و أما الصغرى فأوضح لثبوتها بالعقل و النقل كتابا و سنة و بالإجماع. أما الأول فلأن العقل المستقل يدرك مبغوضية الظلم ابتداءً، و متى أدرك ذلك أدرك مبغوضية الإعانة عليه، و هو أمر واضح. و أما الأول من الثاني فقوله تعالى: (وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ)[2]، و لأن الإعانة تستلزم الركون، و قد قال تعالى: (وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ)[3]، و أما الثاني من الثاني فالأخبار المستفيضة التي كادت أن تكون متواترة التي منها خبر أبي حمزة عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين) [4]، و خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم) [5]، و خبر أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ان أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النار حتى يحكم الله بين العباد) [6]، و خبر يونس بن يعقوب قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): لا تعنهم على بناء مسجد) [7]، و خبر السكوني عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: