أعظم الشواهد على أنهم يريدون المعنى العرفي، و الا فكيف يصح لصاحب المصباح المنير أن يقتصر في تعريفه على أنه (الصوت) و لصاحب الصحاح أن يقتصر في تعريفه على أنه (من السماع) [1]، و لابن الأثير أن يقول (كل من رفع) الى آخره، اذ من خفض صوتاً و والى كذلك.
فإن قلت: أن دأب اللغويين تمييز الصورة عما عداها فيكتفون بالتعاريف اللفظية كقولهم: (سعدانة نبت) فتعريفهم الغناء بذلك لا يدل على ارادة المعنى العرفي. قلت:
التعريف بالصوت و السماع خالٍ عن التمييز فلا مناص عن توجيه كلامهم بما ذكرناه، و مما يرشد الى ذلك و يشير اليه ما حكاه في مفتاح الكرامة عن الصحاح (أنه أحاله على العرف) [2] قال (و لم يتعرض لمعنى آخر فيه الصغاني في كتابه الذي جعله تكملة للصحاح و منه أخذ صاحب القاموس ما زاده على الصحاح، و ايضاً لو كان هناك مخالفة لأشار اليها صاحب القاموس و غيره) [3]، و في مجمع البحرين (و الغناء ككساء، الصوت المشتمل على الترجيع المطرب أو ما يسمى بالعرف غناءً و ان لم يطرب) [4]، و هو لا يقتضي عدم تطابق اللغة و العرف حيث ذكر له معنى آخر غير المعنى العرفي لأنه تبع في ذلك بعض الفقهاء، و هو وهم كما قيل و ستعرف ذلك مفصلًا أن شاء الله تعالى فتلخص مما ذكرنا أن كلام اللغويين يحوم حول العرف.
هذا الاختلاف الذي وقع في كلامهم أنما هو للإشارة الا المعنى العام و هو أنه من مقولة الصوت أو كيفياته و ليس غرضهم من ذلك التعريف التام كما لا يخفى على كل من مارس كلامهم.