و السبب في ذلك أنّ الخطأ في الفكر إمّا من جهة الصورة أو من جهة المادّة، و الخطأ من جهة الصورة [1] لا يقع من العلماء؛ لأنّ معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الأذهان المستقيمة، و الخطأ من جهة المادّة لا يتصوّر في هذه العلوم؛ لقرب الموادّ فيها إلى الإحساس.
و قسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس، و من هذا القسم الحكمة الإلهيّة و الطبيعيّة و علم الكلام و علم اصول الفقه [2] ....
فيها الخلاف و النزاع بينهم، و عليه فتقدير الكلام هكذا: العلوم النظريّة الاكتسابيّة، موادّها تارة حسّية، و اخرى بعيدة عن الحسّ، و الأوّل لا يقع فيه الاشتباه و الخطأ، لكنّ الثاني يقع فيه ذلك، و حيث إنّ ما نحن فيه- أي الأحكام المكشوفة بالعقل النظريّ- من هذا القبيل، فلا اعتبار بها، كما هو مطلوب الأخباريّ.
أقول: تقريب بيان الخلاف و النزاع في الحكمة النظريّة الإلهيّة أنّه اختلف الباحثون عن أحوال الوجود و عوارضه مثلا في أنّ الموجودات- واجبة كانت أو ممكنة- هل هي حقيقة واحدة مقولة بالتشكيك أو حقائق مختلفة مباينة ذاتا، و اختلفوا أيضا في أنّ الإرادة هل هي من أفعال الباري تعالى أو من صفاته الذاتيّة و هلمّ جرّا.
[1] الألف و اللام في «الصورة» عوض عن المضاف إليه، أي صورة القياس و هيئته. و من الواضح أنّه لا يقع الخطأ من العلماء في ما ذكره المنطقيّون من أنّ تكرّر حدّ الوسط في الصغرى و الكبرى مثلا من جملة شرائط إنتاج القياس، مثل «العالم متغيّر و كلّ متغيّر حادث فالعالم حادث».
[2] لعلّ الأنسب ذكر علم الاصول في العلوم الآليّة؛ لكونه وسيلة و آلة