لا يخفى أنّ الطرق الشرعيّة المقرّرة لاستنباط الأحكام الفرعيّة إن وجد فيها شرطان [1] تسمّى دليلا و أمارة [2]، و إلّا فتسمّى أصلا عمليّا، سواء لا يوجد فيها كلاهما أو أحدهما، فمثل خبر الثقة حيث يوجد فيه الشرطان يسمّى دليلا، مقابل أصالة البراءة التي لا يوجد فيها كلاهما معا، و بينهما الاستصحاب فإنّه يوجد فيه شرط واحد [3]، و لذا لم يعدّ دليلا محضا و لا أصلا محضا [4]، و هذا هو السرّ في
[1] أحدهما «إراءة الواقع و الكشف عنه» و ثانيهما «اعتباره عند الشارع من هذه الجهة، أي من جهة إراءة الواقع و كاشفيّته عنه».
[2] الفرق بين الدليل و الأمارة هو ما نصّ عليه المصنّف (رحمه اللّه) في مبحث الاستصحاب بقوله:
«ثمّ المراد بالدليل الاجتهاديّ كلّ أمارة اعتبرها الشارع من حيث إنّها تحكي عن الواقع و تكشف عنه بالقوّة، و تسمّى في نفس الأحكام «أدلّة اجتهاديّة» و في الموضوعات «أمارات معتبرة»، ...» انظر فرائد الاصول 3: 318، و بحر الفوائد، الجزء الأوّل: 3، و حاشية المشكينيّ على الكفاية 5: 111.
[3] و هو كشفه عن الواقع و إراءته إيّاه، لكنّ الشارع اعتبره لا من هذه الحيثيّة، بل من حيث مجرّد احتمال مطابقته للواقع.
[4] يقتضي توضيح المقام نقل كلام المحقّق النائينيّ (قدّس سرّه) بعينه، قال: «قد تقدّم في بعض المباحث السابقة الفرق بين الأمارة و الأصل، و حاصله: أنّه يعتبر في الأمارة أمران:
أحدهما: أن تكون لها جهة كشف في حدّ ذاتها، فإنّ ما لا يكون كاشفا بذاته لا يمكن أن يعطيه الشارع صفة الكاشفيّة. ثانيهما: أن يكون اعتبارها من حيث كونها كاشفة، أي كان اعتبرها تتميما لكشفها. و أمّا الأصل: فهو إمّا أن لا يكون فيه جهة كشف كأصالة البراءة-