اسم الکتاب : المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي المؤلف : الفيومي، أحمد بن محمد الجزء : 1 صفحة : 54
(البَعْضَ) شيء من شَيءٍ أو مِنْ أَشْيَاءَ و هذا يَتَنَاوَلُ مَا فوقَ النِّصفِ كالثَّمَانِيَةِ فإِنَّهُ يَصْدُقُ عليه أَنَّهٌ شيءٌ من العَشَرَةِ و (بعَّضْتُ) الشيءَ (تَبْعِيضاً) جَعَلْتُه (أبْعَاضاً) متَمايِزَةً قال الْأَزْهَرىُّ و أَجَازَ النحويُّونَ إدْخَالَ الْأَلِفِ و اللامِ على (بَعْضٍ و كُلٍّ) إلَّا الْأَصْمَعِىَّ فإِنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ ذلِكَ و قالَ أبُو حَاتِمٍ قُلْتُ للأصْمَعِىِّ رَأَيْتُ فى كَلَامِ ابنِ المُقَفَّعِ (العلمُ كثيرٌ و لٰكِنْ أَخْذُ البَعْضِ خيرٌ من تَرْكِ الكُلِّ) فأنْكَرَهُ أَشَدَّ الإِنْكَارِ و قالَ (كلٌّ و بعضٌ) مَعْرِفَتَانِ فلا تَدْخلُهُمَا الألِفُ و اللَّامُ لأَنَّهُمَا فى نِيَّةِ الإِضَافَةِ و من هُنَا قالَ أبُو عَلِىٍّ الفارِسِىُّ (بعضٌ و كلٌّ) معرِفَتَانِ لأَنَّهُمَا فى نِيَّةِ الإِضَافَةِ و قدْ نَصَبَتِ العَرَبُ عنْهُما الحالَ فقالُوا مررت بكُلِّ قائماً.
و أمَّا قولُهُمْ البَاءُ (للتَّبْعِيضِ) فمَعنَاهُ أَنَّها لا تَقْتَضِى العُمُومَ فيَكْفِى أنْ تَقَعَ علَى ما يَصْدُقُ عليه أَنَّهُ بعْضٌ و استَدلُّوا عَلَيْهِ بقَوْلِهِ تَعَالى «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» و قالوا البَاءُ هُنَا (للتَّبْعِيضِ) علَى رَأْىِ الكُوفِيِّينَ و نَصَّ على مجيئها (للتَّبْعِيضِ) ابنُ قُتَيْبَةَ فى أَدَبِ الكَاتِبِ و أبُو عَلى الفارِسىُّ و ابنُ جِنِّى و نَقَلَهُ الفَارِسىُّ عن الأصْمَعِىِّ و قال ابنُ مالكٍ فى شرحِ التَّسْهِيلِ و تَأْتِي الباءُ مُوَافِقَةً مِن التَّبعِيضِيَّةِ و قال ابنُ قُتَيْبَةَ أيضاً فى كِتَابِهِ المَوْسُومِ بِمُشْكِلَاتِ مَعانِي القُرآنِ و تأْتِي الباءُ بمعنى (مِنْ) تقولُ العَرَبُ شَرِبْتُ بِمَاءِ كَذَا أَىْ مِنْهُ و قال تَعَالَى «عَيْناً يَشْرَبُ بِهٰا عِبٰادُ اللّٰهِ» أى مِنْها و قِيلَ فى تَوْجِيهِه لأَنَّهُ قَالَ يُفَجِّرُونَهٰا بمعْنَى يَشْرَبُ مِنْها فى حَالِ تَفْجِيرِهَا و لو كَانَتْ على الزيادَةِ لكان التَّقْدِيرُ يَشْرَبُهَا جَميعاً فى حَالِ تَفْجِيرِهِمْ و هذا التَّقْدِيرُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ و مثْلُه (يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) أى يَشْرَبُ مِنْهَا و (تَجْرِي بِأَعْيُنِنٰا) أى مِن أَعْيُنِنَا و المرادُ أعْيُنُ الأرْضِ و قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ فى جُزْءٍ لَهُ فى مَعَانِى الشِّعْرِ عندَ قولِ زُهَيْر [1]:
فَتَعْرُككم عَرْكَ الرّخا بِثقالها
وَضَعَ البَاءَ مَوْضِعَ مَع قَالَ و قد ذَكَر هذَا البَابَ ابنُ السِّكِّيتِ وَ قَال إِن البَاءَ تَقَعُ مَوْقِعَ مِنْ و عَنْ و حَكَى أبُو زيدٍ الأنْصَارِىُّ من كَلَامِ العَرَبِ سقاكَ اللّهُ تعالَى مِنْ ماءِ كذا أى بِهِ فَجَعَلُوهُمَا بمعْنًى و ذَهَبَ إِلى مَجِيءِ البَاءِ بمَعْنَى التَّبْعِيضِ الشافِعىُّ و هو مِنْ أَئِمَّةِ اللِّسَانِ و قَالَ بمُقْتَضَاهُ أحْمَدُ و أبُو حَنِيفَةَ حيثُ لم يُوجِبَا التَعْمِيمَ بِل اكْتَفَى أحْمَدُ بِمَسْحِ الأكْثَرِ فى رِوايةٍ و أبو حَنِيفَةَ بِمسْحِ الرُّبُعِ و لَا مَعْنَى لِلتَّبْعِيضِ غيرُ ذلكَ و جَعْلُها فى الآية بِمَعْنى التَّبْعِيضِ أوْلَى مِنَ القَوْلِ بِزيَادتِها لأن الأصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ و لا يَلْزَمُ مِنَ الزِّيَادَةِ فى مَوْضِعٍ ثُبُوثُها فى كُلِّ مَوْضِعٍ بلْ لَا يَجُوزُ القولُ به