المتكلّم تارة في مقام بيان هذه الأنحاء و القائها الى المخاطب، و لا يمكن القاء المواد بدون الهيئات في الخارج فاقتضى الاحتياج وضع هيئات اخرى لتفهيم ذلك، فوضع الواضع هيئات اخرى كهيئة الأفعال و اسم الفاعل و المفعول و غير ذلك من الهيئات الدالّة على أنحاء النسب.
إذا عرفت ما قلنا من التقسيمات الثلاثة و أنّ المبدأ هو المعنى المصدري الذي يستفاد من هيئة المصدر و أنّ هذا هو المبدأ و مادة الاشتقاق يظهر لك أنّ المصدر هو أوّل هيئة تدلّ على معنى حد، ثم بعد ذلك وضعت هيئات اخرى و هذا معنى أنّ المصدر أصل في الكلام، و لم يكن مراد النحاة أيضا غير ذلك و لا مجال لتوهّم كون المصدر حقيقة أصل في الكلام و سائر المشتقات مشتقة منه، لأنّه كما قلنا يكون نفس هيئة المصدر هيئة في مقابل هيئة سائر المشتقات و ليس هذه الهيئة أصلا لها.
المقدمة الثالثة: اعلم أنّ المشتقات يكون فيها حيثان حيث الآلية و حيث الاستقلالية، لأنّه كما قلنا في مطاوي كلماتنا المأخوذ في المشتق هو المبدأ و الهيئة، فالمادة حيثية مأخوذة في المشتق استقلالا، لأنّ الغرض هو القاء هذه المادة، فالنظر يكون بها حقيقة و استقلالا، و الهيئة حيثية آلية، لأنّ دخلها ليس إلّا لأجل المادة و إفادة المادة، فالنظر ليس بها استقلالا بل هي آلة للغير و هو المادة.
فنقول: بأنّه و لو أغمضنا العين عن كلّ ما قالوا في بيان عدم كون الزمان مأخوذا في الأفعال بأنّه يكفي لعدم مأخوذية الزمان فيها هو هذا البيان: لأنّ الأفعال من المشتقات، و لا إشكال بأنّ المأخوذ في المشتق كما أوضحنا لك ليس إلّا المادة و الهيئة، فالمادة معنى اسمي غير مأخوذ فيه الزمان مسلّما، و كذلك الهيئة معنى حرفي غير مأخوذ فيها الزمان بلا ترديد، فمن أي جهة اخذ الزمان؟! و ما وجه هذا التوهّم؟! فظهر لك من هذا البيان بطلان توهّم أخذ الزمان في الأفعال.
لكن يكون في المقام أمر و هو أنّه كما قلنا بعد وضع هيئة المصدر و وضع هيئات