و لعل جبل عامل لم يشهد يوما أبهج و لا أحشد من يوم عودته، و لعله لن يشهد يوما كهذا اليوم، يحشر فيه الجبل من جبله و ساحله في بحر من الناس يموج بعضه فوق بعض، و تطفو فوقه الأعلام رفّافة بالبشر؛ منحنية بالتحية، و الهتاف، جلجلة كجلجلة الرعد في اذن الجوزاء.
و يبدأ من ذلك اليوم موسم للشعر، تفتّقت فيه القرائح العاملية عن ذخائر ممتعة من الأدب العالي، و تفتّحت سلائقهم عن أصدق العواطف، و أسمى المشاعر تنبض بها قوافيهم تهز المحافل في ابداع و تجويد، صباح، مساء، و لقد امتد هذا الموسم الأدبي زمنا طويلا اجتمع في أيامه و لياليه ضخم القيمة، ضخم الحجم، يمكن اعتباره مصدرا لتاريخي الفكر و السياسة في جبل عامل خلال هذه الفترة.
منزلته في العالم الاسلامي:
ترتسم على كل أفق من آفاق هذا العالم الإسلامي معدودة لرجال معدودين امتازوا بمواهب و عبقريات، رفعتهم الى الأوج الأعلى من آفاقهم، فاذا أسماؤهم كالنجوم اللامعة تتلألأ في كبد السماء.
أما الذين ترتسم أسماؤهم في كل أفق من تلك الآفاق، فقليل، و قليل هم، و ليسوا إلّا أولئك الذين علت بهم الطبيعة، فكان لهم من نبوغهم النادر ما يجعلهم أفذاذا في دنيا الإسلام كلها، و من هؤلاء الأفذاذ سيّدنا المؤلف، فقد شاءت الإرادة العليا أن تبارك علمه و قلمه، فتخرج منهما للناس نتاجا من أفضل النتاج، و قد لا أكون مبالغا حين استبيح لقلمي أن يسجل: أن السيّد المؤلف يتقدم بما انتج إلى الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال