و حدثت ظروف دعته الى أن يكون قريبا من «عاملة»، فغادر مصر في أواخر سنة ثمان و ثلاثين و ثلاثمائة و ألف هجرية الى قرية من فلسطين تسمى (علما) تقع على حدود جبل عامل، و في هذه القرية هوى إليه أهله و عشيرته، و لحق به أولياؤه المشردون في هذا الجهاد الديني الوطني، فكانوا حوله في القرى المجاورة، و كان في (علما) كما يكون في جبل عامل من غير فرق، كأنه غير مبعد عن داره و بلده، يتوافد إليه الناس من قريب و من بعيد، و لا يكاد يخلو منزله من أفواج الناس، فيهم الضيوف، و فيهم طلاب الحاجات، و فيهم رواد القضاء، و الفقه، و فيهم من تستدعه الحياة السياسية أن يعرف ما عند السيّد من وجه الرأي. و انسلخت شهور في (علما) تصرفت فيها الامور تصرفا يرضي السيّد بعض الرضا، و ابيح للسيّد أن يعود إلى «عاملة» بعد مفاوضات أدت إلى العفو عن المجاهدين عفوا عاما، و الى وعد من السلطة بانصاف جبل عامل، و انهاضه، و اعطائه حقوقه كاملة.
العودة:
و حين اطمأنت نفسه بما وعدته به السلطة، عاد الى جبل عامل، و لم تسمح نفس بأن يعود و المجاهدون مبعدون، لذلك جعل بيروت طريق عودته و طريقه بعيدة عنها- ليستنجز العفو العام عن المجاهدين، و كذلك كان، فانّه لم يخرج من بيروت حتى كان المجاهدون في حل من الرجوع الى وطنهم و اهليهم.