و لمّا ماتت خديجة و أبو طالب، و كانت و فاتهما في عام واحد، حزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليهما حزنا شديدا، و سمّاه عام الحزن، و أوحى اللّه سبحانه إليه في ذلك العام، «أن أخرج فقد مات ناصرك»، فكانت الهجرة المباركة.
هاجر و في قلبه ذكرى لصدّيقته المواسية، فكان يكثر ذكرها و برها و الصدقة عنها، حتى قالت عائشة: ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد هلكت فأبدلك اللّه خيرا منها؟!!
فتغيّر وجه النبي صلّى اللّه عليه و آله ورد عليها غضبان: «و اللّه ما أبدلني خيرا منها، آمنت بي حين كفر بي الناس، و صدّقتني حين كذبني الناس، و واستني بمالها حين حرمني الناس، و رزقني منها ولدا اذ حرمني من غيرها».
و جدّ زينب لأبيها: شيخ الأباطح، و بيضة البلد، أبو طالب بن عبد المطلب، عمّ النبي القائم في كفالته مقام أبيه، إذ مات أبوه عبد اللّه و هو جنين، ثم مات جدّه عبد المطلب، و النبي في السابعة من عمره الشريف، فكفّله عمه أبو طالب، فكان أفضل أب عطوف، لم يغفل عمّا يجب له لحظة واحدة، و لم يسلّمه الى طغاة قريش، و قد لجّوا في طغيانهم يعمهون، إذ طلبوه منه، و لا سيّما اذ سمعوه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «و اللّه لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أموت دونه».
فيحنو عليه حنوّ المرضعات على الفطيم، و هو يقول: (اذهب و شأنك فو اللّه لا أسلّمك لشيء أبدا).
و هو القائل من قصيدة يخاطب بها طغاة قريش:
أ لم تعلموا أنّ ابننا لا مكذّب * * * لدينا و لا نعبا بقول الأباطل
يلوذ به الهلّاك من آل هاشم * * * فهم عنده في نعمة و فواضل