(المبحث الثالث): في تقسيم المأمور به والمنهي عنه إلى نفسي وغيري. فقد قسم الأصوليون الواجب إلى القسمين المذكورين، لتعرضهم لأمثال ذلك في مباحث الأوامر واهتمامهم بخصوص الوجوب منه، مع عدم الإشكال في جريانه في المستحب، بل الظاهر جريانه في الجملة في المنهي عنه بقسميه، على ما يتضح في مبحث مقدمة الواجب إن شاء الله تعالى.
وقد اختلفوا في تعريف كل من القسمين، إلا أن خلافهم - فيما يبدو - ليس للخلاف في مصاديق كل منهم، بل في التعريف الجامع لتلك المصاديق المانع من غيره. ولعل الأولى أن يقال: الأمر بالشيء إن كان لمقدميته لمأمورٍ به فهو غيري، وإلا فهو نفسي، سواء كان بداعي حسن الماهية ذات، أو عرضاً بلحاظ المصالح والمفاسد المترتبة عليها التي لم تكن بنفسها مورداً للتكليف، أم بداعي حسن التكليف لا غير. وكذا الحال في النهي، فإنه إن تعلق بالشيء لمقدميته للمنهي عنه كان غيري، وإلا فهو نفسي.
هذا وثبوت التكليف الغيري المولوي بمقدمة المكلف به النفسي يبتني على الملازمة بين التكليف بالشيء والتكليف بمقدمته. ويأتي إن شاء الله تعالى في مباحث الملازمات العقلية إنكار الملازمة المذكورة، وأن التكليف بالمقدمة عقلي لا شرعي مولوي.