responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : القصص التربوية المؤلف : الفلسفي، الشيخ محمد تقي    الجزء : 1  صفحة : 365

ثِقْ بحُسن صِنع الله مِن حيث لا تدري

قال محمد بن أبي العتاهية حدَّثني أبي :

لمَّا امتنعت مِن قول الشعر وتركته ، أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم ، فأُخرجت مِن بين يديه إلى السجن ، فلمَّا أُدخلته دُهشت وذهل عقلي ورأيت منظراً هالني ، فرميت بطرفي أطلب موضعاً آوي إليه ، أو رجلاً آنس بمجالسته ، فإذا أنا بكهل هالني فرميت بطرفي أطلب موضعاً آوي إليه أو رجلاً آنس بمُجالسته ، فإذا أنا بكهل حَسن السمت نظيف الثوب يُبيَّن عليه سيماء الخير فقصدته ، فجلست إليه مِن غير أنْ أُسلِّم عليه أو أسأله عن شيء مِن أمره ؛ لما أنا فيه مِن الجزع والحيرة ، فمكثت كذلك مليَّاً وأنا مُطرق مُفكِّر في حالي ، فأنشد هذا الرجل هذين البيتين . فقال :

تـعوَّدت مَـسَّ الضَّرَّ حتَّى iiألفته * * * أسـلمني حُسن العزاء إلى iiالصبر

وحـيَّرني يـأسٌ مِن الناس iiواثقا * * * بحُسن صُنع الله مِن حيث لا أدري

فاستحسنت هذين البيتين وتبرَّكت بهما وثاب إليَّ عقلي ، فأقبلت على الرجل فقلت له : تفضَّل ـ أعزَّك ـ الله بإعادة هذين البيتين .

فقال لي : ويحك يا إسماعيل ! ـ ولم يُكنِّني ـ ما أسوأ أدبك وأقلَّ عقلك ومروءتك ، دخلت إليَّ ولم تُسلِّم عليَّ بتسليم المسلم على المسلم ، ولا توجَّعت لي توجُّع المُبتلى للمُبتلى ، ولا سألتني مسألة الوارد على المُقيم ، حتَّى إذا سمعت مِنِّي بيتين مِن الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيراً ولا أدباً ، ولا جعل لك معاشاً غيره لم تتذكَّر ما سلف منك فتتلافاه ، ولا اعتذرت مِمَّا قَدَّمته وفرَّطت فيه مِن الحَقِّ حتَّى استنشدتني مُبتدئاً كأنَّ بيننا أُنساً قديماً ومعرفة شافية وصُحبة تَبسط المنقبض .

فقلت له : اعذرني مُتفضِّلاً ؛ فإنَّ دون ما أنا فيه مُدهش .

قال : وفي أيِّ شيءٍ أنت ؟! إنَّما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم ، فحبسوك حتَّى تقوله ، وأنت لا بُدَّ مِن أنْ تقوله فتُطلق ، وأنا يُدعى بي الساعة فأُطالب بإحضار عيسى بن زيد ابن رسول الله ، فإنْ دللت عليه فسوف يُقتل

اسم الکتاب : القصص التربوية المؤلف : الفلسفي، الشيخ محمد تقي    الجزء : 1  صفحة : 365
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست