كان أحد جنود الكوفة قد حضر حرب صِفِّين على بعيره ، فقرَّر عند رجوعه أنْ يُعرِّج على الشام ؛ ليطَّلع عن كثب على نظام حكومة مُعاوية . وعند دخوله دمشق قابل جنديَّاً مِن جنود مُعاوية كان قد رآه في الحرب ، ويعرف أنَّه مِن جنود الإمام علي (عليه السلام) .
تقدَّم هذا نحوه وأخذ بخناقه زاعماً أنَّ الناقة التي يركبها له ، وأنَّه قد انتزعها منه في حرب صِفِّين . فتجمَّع الناس واشتدَّ الكلام بينهما ، حتَّى وصل بهما الأمر إلى الرجوع إلى مُعاوية .
عرض الشامي دعواه واستشهد خمسين شاهداً شهدوا جميعاً : بأنَّ الناقة له . فحكم مُعاوية له وأمر الكوفي بتسليمه الناقة .
عندئذ قال الكوفي لمُعاوية : ولكنَّ هذا جمل وليس ناقة ، مع أنَّ الدمشقي كان مُنذ البداية قد زعم أنَّ الجمل ناقة وشهد له بذلك خمسون شاهداً .
في الحقيقة كان الكوفيُّ يُريد بهذا أنْ يُلفت نظر مُعاوية إلى أنَّ كلَّ تلك الضجَّة كانت فارغة ، وأنَّ الحُكم الذي أصدره كان باطلاً ومُخالفاً للحَقِّ .
غير أنَّ مُعاوية لم يلتفت إليه ، وقال : إنَّ الحُكم قد صدر ويجب تنفيذه .
انتهى مجلس القضاء وتفرَّق طرفا الدعوى والشهود ، فأرسل مُعاوية سِرَّاً يستدعي الكوفي وسأله عن ثمن الجمل وأعطاه له وأكرمه .
وقال له : أبلغ عليَّاً أنِّي أُقابله بمئة ألف ما فيهم مَن يُفرِّق بين الناقة والجمل .
لقد كان الدمشقي والشهود الخمسون مِثل سائر أهل الشام يؤيِّدون مُعاوية