كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قبل الهِجرة ، يغتنم فرصة تجمع القبائل والعشائر العربيَّة ، التي كانت تَفِد على مَكَّة مِن كلِّ حَدبٍ وصوبٍ ليزورهم في مضاربهم يدعوهم إلى عبادة الأحد ، وإلى التحرُّر مِن عبوديَّة الأصنام ، ويُعلن لهم رسالة نبوَّته .
وذات مَرَّة ، عندما كان التجمُّع قد اشتدَّ في مِنى ، بدأ بإعلان دعوته ، مُتَّجهاً أوَّلاً إلى مضارب بني كلب ، ومِن ثمَّ إلى مضارب بني حنيفة ، عارضاً على هاتين القبيلتين الدخول في الإسلام ، ولكنَّهما رفضتا دعوته وردَّتاه ، فاتَّجه إلى بني عامر وعرض عليهم الإسلام .
وكان رجل مِن رؤسائهم اسمه (بحيرة) قد جذبه مظهر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)ولهجته الرصينة النافذة ، فقال : لو أُتيح لي أنْ أستميل هذا الرجل عن قريش إليَّ ، لاستطعت وبقُدرته أُسيطر على العرب جميعاً وأستحوذ على طاعتهم .
ثمَّ التفت إلى رسول الله وقال : أرأيت إنْ نحن بايعناك على أمرك ، ثمَّ أظهرك الله على مَن خالفك ، أيكون لنا الأمر مِن بعدك ؟
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الأمر إلى الله يضعه حيثُ يَشاء) .
فقال له : أفتُهدَفُ نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ؟ لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه .
لم يكن بنو عامر يُدركون ما في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فلم يفهموا معنى أنْ يكون الأمر لله يضعه حيثُ يشاء . ولو أنَّ نبيَّ الإسلام قَبِلَ ـ يومذاك ـ ما طلبه (بحيرة) لكان يَعد بني عامر مِن بعده ، ويُحيي آمالهم بالمُستقبل ، ولالتفَّ حوله أبناء تلك