فالهدهد هنا يقظ متنبّه لكل ما يدور من الملكة و قومها من الناحية الدينية و هو يعجب من عبادتها للشمس و سجودها لها من دون اللّه و يرى أن الشيطان هو الذي زيّن لها هذا العمل و صدّها و قومها عن السبيل، بل يمضي إلى أبعد من هذا فيلفت الذهن إلى الأسباب التي تدفع إلى عبادة اللّه من إخراجه الخبء و من علمه بما يخفي الناس و ما يعلنون.
و هذا الموقف من الهدهد هو الذي أوقع الرازي و غيره من المفسّرين في حيرة فقد نالهم العجب من صنع الهدهد الذي يدل على رجاحة عقله و نفاذ بصيرته و فهمه الأمور و فطنته إلى ما لم يفطن إليه سليمان. يقول الرازي في تفسيره للقصة: البحث الأول إن الملحدة طعنت في هذا القصة من وجوه... و ثالثها كيف خفي على سليمان عليه السلام حال مثل تلك الملكة العظيمة مع ما يقال إن الجن و الإنس كانوا في طاعة سليمان و أنه- عليه السلام-كان ملك الدنيا بالكلية... و من أنه يقال إنه لم يكن بين سليمان و بين بلدة بلقيس حال طيران الهدهد إلا مسيرة ثلاثة أيام. رابعا من أين حصل للهدهد معرفة اللّه تعالى و وجوب السجود له و إنكارهم سجودهم للشمس و إضافته إلى الشيطان و تزيينه.
و لو أن هؤلاء درسوا المسألة على أساس من الخلق الفني للشخصيات، و أنها ما وجدت إلا لتؤدي أدوارها في القصة لما وقعوا في تلك الحيرة، و لما كان دفاع و إتهام.
على أن المسألة قد تحتاج، من الجانب الفني، إلى شيء من الإيضاح فنقول نلحظ في القصص الحديث أن بعض الأدوار الرئيسية في القصة تسند إلى الحيوانات و يكون الحيوان في مثل هذا القصص هو الشخصية الرئيسية التي تتوجه نحوها الأنظار و تلتفت إليها القلوب و الأسماع. و لعلنا لم ننس بعد شخصية «لاسي» ذلك الكلب الذي يضطلع