اسم الکتاب : الفن القصي في القرآن الكريم المؤلف : خَلَف الله، محمد الجزء : 1 صفحة : 197
أقول هذا الأمر يسمى أمر التكوين و يقابله أمر التشريع و إنما سمّي بأمر التكوين للتعبير عنه في التنزيل بقوله تعالى إِنَّمََا أَمْرُهُ إِذََا أَرََادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[1] فهو تصوير لتعلّق إرادة الربوبية بالإيجاد. و لا أذكر عن أحد من المفسّرين المتبعين للأثر تصريحا بأن الأوامر في قصة آدم من أمر التكوين إلا للحافظ بن كثير فإنه ذهب في تفسير قََالَ فَاهْبِطْ مِنْهََا[2] من سورة الأعراف إلى أن الأمر فيه أمر قدري كوني. و مثله ما في معناه من قصة آدم و من الآيات الأخرى من مخاطبة إبليس للرب و جوابها في شأن إغوائه للبشر و إنظاره إلى يوم القيامة.
قال الأستاذ الإمام: «و تقرير التمثيل في القصة على هذا المذهب هكذا. إن إخبار اللّه الملائكة بجعل الإنسان خليفة في الأرض هو عبارة عن تهيئة الأرض و قوى هذا العالم و أرواحه لوجود نوع من المخلوقات يتصرّف فيها فيكون به كمال الوجود في هذه الأرض. و سؤال الملائكة عن جعل خليفة يفسد في الأرض لأنه يعمل باختياره و يعطي استعدادا في العلم و العمل لا حد لهما هو تصوير لما في استعداد الإنسان لذلك و تمهيد لبيان أنه لا ينافي خلافته في الأرض. و تعليم آدم الأسماء كلها بيان لاستعداد الإنسان لعلم كل شيء في هذه الأرض و انتفاعه به في استعمارها. و عرض الأسماء على الملائكة و سؤالهم عنها و تنصّلهم في الجواب تصوير لكون الشعور الذي يصاحب كل روح من الأرواح المدبرة للعوالم محدودا لا يتعدى وظيفته. و سجود الملائكة لآدم عبارة عن تسخير هذه الأرواح و القوى له ينتفع بها في تربية الكون بمعرفة سنن اللّه تعالى في ذلك. و إباء إبليس و استكباره عن السجود تمثيل لعجز الإنسان عن إخضاع روح الشر و إبطال داعية خواطر السوء التي هي مثال التنازع و التخاصم و التعدي و الإفساد في الأرض. و لو لا ذلك لجاء على الإنسان زمن يكون فيه أفراده كالملائكة بل أعظم أو يخرجون عن كونهم من هذا النوع البشري... إلخ» .
و هكذا نستطيع أن ننتهي من الحديث عن هذا اللون القصصي إلى القول بأن القصة التمثيلية أو الخيالية موجودة في القرآن الكريم باعتراف أئمة التفسير من القدماء