إنكارهم للسماوات بالمعنى الظاهر من الشرع دعوى اليقين بعدمها، بل بمعنى أن علمهم و بحثهم لم يوصلهم إليها، و هي-أي هذه الطريقة-أسلم و أبسط من الأولى، و الاعتبار و الآثار تدل عليها، و لم يحتاجوا إلاّ إلى فرض الأثير المائي لذلك الفضاء لنقل النور من كوكب إلى آخر، و قد اكتشفوا بآلاتهم الرصدية سيارات أخرى كثيرة غير السبعة المشهورة مما لا مجال لذكرها في هذا المقام.
و أما العرش و الكرسي فليس في الشرع-كتابا و سنة-ما يدل صريحا على جسمانيتهما سوى بعض إشارات طفيفة مثل قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ[1] ، و قوله: عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىََ[2] ، و هي مصروفة عن هذا الظاهر قطعا.
و أما السنة فالأخبار كما في السماء و العالم من البحار و غيره مختلفة أشد الاختلاف، و فيها ما يشعر بأنهما جسمان، و أكثرها صريح في عدم الجسمية، و أنهما من مقولة العلم و القدرة و الملك و صفات الذات المقدسة.
و بالجملة، فإمعان النظر في الأخبار و كلمات العلماء و المفسرين لا يزيد إلاّ الحيرة و الارتباك، و الذي أراه في هذا الموضوع الدقيق و السر العميق و البحث المغلف بسرائر الغيب و حجب الخفاء أنّ المراد بالكرسي هو الفضاء المحيط بعالم الأجسام كلها من السموات و الأرضين و الكواكب و الأفلاك و الشموس، فإنّ هذه العوالم الجسمانية بالقطع و الضرورة لها فضاء يحويها و يحيط بها، سواء كان ذاك الفضاء متناهيا، بناء على تناهي الأبعاد، أو غير متناه أي مجهول النهاية، بناء على صحة عدم تناهي معلولات العلة الغير المتناهية،