و لكن حقا أقول: إنّ التوحيد الحق لحضرة الحق جل و علا و ما يليق بوحدانية ذاته المقدسة الأحدية، بل أصل وجوب الوجود للواجب تعالى شأنه لا يتم إلاّ بهذه القاعدة.
و بيان ذلك على سبيل الإجمال و الاختصار: أن حضرة الحق سبحانه لا بد أن يكون أحديّ الذات، أحديّ الصفات، فإنه إن لم يكن كذلك يلزم التركيب، و التركيب ملازم للإمكان، و الإمكان يطارد الوجوب و لا يجتمع معه، فلو كانت فيه حيثيتان متباينتان لكان مركبا، و لو كان مركبا لكان ممكنا، و لو كان ممكنا لم يكن واجبا، و هذا خلف.
و هنا قاعدة أخرى يطابقها البرهان، و يساعدها الوجدان، و هي: أنّ بين كل علة و معلول لا بد أن تكون سنخية و مناسبة، بمعنى أن تكون بينهما جهة و حيثية و بتلك الجهة و الحيثية يصدر هذا المعلول من تلك العلة، فإن لم يكن بينهما السنخية و الاقتضاء الخاص يلزم أن يؤثر كل شيء في كل شيء ، و معروف أنه لو لا السنخية بين العلة و المعلول لزم تأثير كل شيء في كل شيء ، فإن صحّت هاتان القاعدتان و أذعنّا بتصديقهما فنقول حينئذ: إن صدر شيئان متباينان من جميع الجهات و الحيثيات من واحد بسيط من جميع الجهات و الحيثيات بحيث لا يتعقل فيه حيثية دون أخرى و جهة دون جهة يلزم إما بطلان القاعدة الأولى أو الثانية؛ لأن هذين المعلولين المتباينين إن صدرا من حيثيتين متباينتين لزم التركيب في العلة، و انقلب الواجب ممكنا، و إن صدر المعلولان المتباينان من تلك العلة البسيطة التي ليست فيها حيثيات متغايرة و جهات متعددة أصلا و أبدا فلا بد حينئذ من صدور إحدى الحيثيتين الذاتيتين، بمعنى أنّ تمام ذات العلة البسيطة تقتضي و تستدعي وجود ذلك المعلول،