لعلك تقول: إذا كان هذا الهيكل الإنساني عبارة عن صور متعاقبة يتلو بعضها بعضا، و يتصل بعضها ببعض، إذا فشخصية كل فرد من هذا النوع بما ذا تتحقق؟و تعيّنه بأي شيء يكون؟و المادة بنفسها غير متحصّلة فكيف يتحصل بها غيرها، و هي صرف القوة و الاستعداد؟
فنقول: فليكن هذا أيضا من أحد الأدلة على وجود النفس المجردة ذاتا، المادية تعلقا و تصرفا، و تشخّص كل فرد و تعيّنه إنما يكون بتلك النفس التي تتعلق بتلك الصور المختلفة المتعاقبة بنحو الاتصال على المادة المبهمة و الهيولى الأولى التي لا توجد و لا تخرج من القوة إلى الفعل إلاّ بصورة من الصور و هي متحدة معها وجودا، منفكة عنها تعقلا و مفهوما، و النفس الجزئية المستمدة من النفوس الكلية حافظة لها معا، و هي أيضا متحدة بهما وجودا و متصلة بهما ذاتا، و تواكب و تصاحب كل تلك الصور المتعاقبة على نحو الاتّصال و الواحد السيّال.
و أضرب لك مثلا محسوسا لتقريب ذاك إلى ذهنك و استحضاره بعقلك:
أ رأيت النهر الجاري في الليلة القمراء، حيث يطل القمر على الماء المتدافع و كل موجة تأتي يشع القمر عليها، و ترتسم صورته فيها، ثمّ تمضي و تأتي موجة أخرى ترتسم صورة القمر فيها، و هكذا حتى يجف الماء، و يغيب البدر؟فالقمر هو النفس، و النهر هو البدن، و الموجات المتدافعة من الينبوع هي الصورة المتعاقبة على البدن التي يشرق عليها و يتحد مع كل واحد منها، و هي مع كثرتها