كل هذا تكون من لقمة الخبز التي نأكلها، فهل في لقمة الخبز كل هذه الأنواع مندمجة مطوية؟أم انقلبت و تحولت من صورة إلى صورة و من حقيقة إلى أخرى، أو أنها كانت معدة للنطفة بأن تفيض العناية إليها صورة العلقة و المضغة و هكذا حتى تصير إنسانا كاملا؟
كل ذلك مما تقف عنده العقول حائرة خاسرة مهما سطروا و حرروا، و ألّفوا و صنّفوا، فإنهم دون الحقيقة وقفوا، و عنها صرفوا، و لكن مهما تغلغل الأمر و الواقع في مجاهل الغيب و الخفاء فإنّ من الواضح الجلي أن تلك اللقمة التي تدخل في جوفنا و تتصرف بها المشية تلك التصاريف المتنوعة لم تدخل هي في كياننا، و لم تصر جزءا من أجسامنا، بل تطورت عدة أطوار و تعاورتها صورة بعد صورة، دخلت في معامل مكانيكية و تحليلات كيمياوية إلى أن بلغت هذه المرحلة، و نزلت من أجسامنا بتلك المنزلة.
فلو أنّ مؤمنا أكل كل لحم في بدن الكافر، أو أكل الكافر كل لحم في بدن المؤمن، فلا لحم الكافر صار جزءا من بدن المؤمن، و لا لحم المؤمن دخل في بدن الكافر، بل اللحم لما دخل في الفم و طحنته الأسنان-و هو الهضم الأول- زالت الصورة اللحمية منه و ارتحلت إلى رب نوعها-حافظ الصور-و اكتست المادة صورة أخرى، و هكذا صورة بعد صورة.
و من القواعد المسلّمة عند الحكماء بل عند كل ذي لبّ: أنّ الشيء بصورته لا بمادته، إذا فأين تقع شبهة «الآكل و المأكول» ؟و كيف يمكن تصويرها و تقريرها فضلا عن الحاجة إلى دفعها، و الجواب عنها؟
و كيف استكبرها ذلك الحكيم الكبير الإلهي فقال: «يدفعها من كان من الفحول» ؟