رابعها: و هو أحقها و أصدقها: إثبات المعادين الجسماني و الروحاني، أي معاد هذا الجسد الذي كان في الدنيا بروحه و جسمه، فيعود للنشر يوم الحشر كما كان، و يقف للدينونة بين يدي الملك الديان، كما هو ظاهر جميع ما ورد في القرآن الكريم من الآيات الدالة على رجوع الخلائق إلى اللّه عز شأنه و الرد على منكري البعث و المعاد لمحض العناد، أو الاستبعاد، أو أخذا بقضية استحالة إعادة المعدوم المرتكزة في الأذهان.
و قد ردّ عليهم الفرقان المحمدي بأنحاء من الأساليب البليغة، البالغة إلى أقصى مراتب البلاغة و القوة، يعرفها من يتلو القرآن بتدبر و إمعان.
و حيث إنّ غرضنا المهم من تحرير هذه الكلمات هو إثبات الإمكان، و دفع الاستحالة، كي تبقى ظواهر الأدلة على حالها؛ لذلك لم نتعرض لسرد تلك الآيات النيّرات و اتجهنا إلى تلك الوجهة، و دحض تلك الشبهة، بأوضح بيان، و أصحّ برهان، و منه تعالى نستمد، و على فضل فيضه نعتمد، و نقول:
حيث إنّ من الواضح المعلوم بل المحسوس لكل ذي حس أنّ كل شخص من البشر مركب من جزءين: الجزء المحسوس و هو البدن العنصري الذي يشاهد بالعين الباصرة، و يشغل حيّزا من الفضاء؛ و جزء آخر يحس بعين البصيرة، و لا تراه عين الباصرة، و لكن يقطع كل أحد بوجود شيء في الإنسان، بل و الحيوان غير هذا البدن، بل هو المصرف و المتصرف في البدن، و لولاه لكان هذا البدن جمادا لا حس فيه و لا حركة، و لا شعور و لا إرادة.
إذا فيلزمنا للوصول إلى الحقيقة و الغاية المتوخاة البحث عن هذين الجزءين، فإذا عرفناهما حق المعرفة فقد عرفنا كل شيء ، و اندفع كل إشكال إن شاء اللّه. و إليك البيان: