تعود عبرة و فكرة، تذهل عندها الألباب و تطيش في سبحات جلالها العقول.
أما الذي فيه من الفوائد المادية، و الاجتماعية، و الأخلاقية، فلعل سطحه الأول ظاهر مكشوف، و التوسع فيه يحتاج إلى مجال أوسع، و نظر أعلى و أرفع، و هي التي أشير إليها بقوله عز شأنه: لِيَشْهَدُوا مَنََافِعَ لَهُمْ ، و لكن إذا لم يتسع لنا المجال للإشارة إلى تشريح هذه المنافع أ فلا يمكن التلويح إلى بعض تلك النفحات التي تهب نسائمها من الكنوز و الرموز الروحية التي تتضمنها أعمال الحج؟
أولها الإحرام، أ رأيت المحرم حين يتجرد من ثيابه التي يتجمل بها بين الناس فيستبدل بها قطعتين من القطن الأبيض، إشارة إلى قطعه جميع علائق هذه الحياة، و زخارفها، و اكتفائه بثوبين، كمن ينتقل من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى، لابسا أكفانه، منصرف النفس عن كل شهواتها، و عازفا عن كل لذاتها؟
أ تراه حين يرفع صوته كلما علا جبلا أو هبط واديا أو نام أو استيقظ:
«لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك» كأنه يجيب داعيا، و يخاطب مناديا؟
نعم، يجيب داعي الضمير، و خطاب الوجدان خطابا يجيب به نداء ربه، و أذان أبيه إبراهيم، و دعوة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله.
أ تراه كيف يتجرد عن الدنيا و يتحلى عن الروح الحيوانية فيصير روحا مجردا، و ملائكا بشرا، فيحرّم على نفسه التمتع حتى من النساء و الطيب و الطيبات، بل حتى العقد على النساء، و يحرم عليه أن يؤذي حيوانا، و لو من الهوام، و أن يصيد صيدا و لو من الأنعام، و أن يقطع شجرا، أو يقطع نباتا، و إذا عقد على امرأة في إحرامه حرمت عليه أبدا؟
أ رأيته حين يطوف حول الكعبة-رمز الخلود، و مركز الأبدية، و تمثال