و حيث إنّ ما كتبناه من أسرار الطهارة و الصلاة في ذلك الجزء و إن كان من النزر اليسير و لكنه على قلّته كثير و خطير، و من أراد معرفة عظمة التشريع الإسلامي في كافة أحكامه فلينظر فيه فإنه يجد فيه ما يكفيه إن شاء اللّه.
و لكن تكملة لتلك المباحث نعيد النظر في قوله تعالى: إِنَّ اَلصَّلاََةَ تَنْهىََ عَنِ اَلْفَحْشََاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اَللََّهِ أَكْبَرُ[1] ، فإنا ذكرناها طردا و لم نقف عندها و لو قليلا، و تداركا لذلك نقول: إنّ علماء التفسير و أهل الذكر، و إن ذكروا في تفسيرها وجوها، و حملوها على معان شتى، و لكن الذي اطمأن إليه و أعتمد عليه أنّ المراد-و اللّه أعلم-أنّ الصلاة التي هي ذكر و دعاء و توجيه إلى المبدأ الأعلى و استحضار عظمته و كبريائه في كل تكبير استحضارا يستوجب أقصى مراتب الخضوع و الخشوع في السجود و الركوع، و بالضرورة أنّ مثل هذه الصلاة تنهى العبد عن ارتكاب أي معصية، كبيرة أو صغيرة، بل كل الذنوب كبائر بالنظر إلى مخالفة ذلك الكبير، و لا شك أنها تصدّه و تمنعه عن ارتكاب الفحشاء و المنكر، و ذكر اللّه و تصور عظمته و عظيم نعمه على العبد أكبر من أن يجتمع مع الفحشاء و المنكر، فالصلاة أكبر من أن تجتمع مع المعصية، و العبد إذا ذكر اللّه فصلى، و لكن ذكر اللّه له بالرحمة و التوفيق في اجتناب المنكر أكبر من ذكره للّه، فذكره للّه يمنعه عن المنكر، و هذا كبير، و لكن ذكر اللّه له أكبر.
و قد جمعت الآية على وجازتها كلتا الجهتين و أعلى الناحيتين، و ذكر اللّه أكبر، فأنعم النظر فيه و تدبر، و لذا فإني لا أزال أدعو الشبان بل و غيرهم ممن يتقاذفهم تيار من الشهوات في الغمرات و يرمي بهم على غرة من غمرة إلى غمرة، أنصحهم أنهم مهما انجرفوا في شهواتهم و معاصيهم، و لكن عليهم أن