بالمبدإ المقدس و الصانع و الدينونة بأنّ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، `وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
نعم القرآن العزيز مثله الأعلى و مهمته الأولى هي الدعوة إلى اللّه، و تقوية الاعتقاد بالمبدإ و المعاد، و نشر الفضيلة، و قمع الرذيلة، و لكن بما أنه كتاب الأبد و سفر الخلود، و المعجزة الباقية، تعرّض تلويحا مرة و تصريحا أخرى، و بين التصريح و التلويح ثالثة إلى فلسفة التكوين و بدء الخليقة، و بعض أسرار الطبيعة، و لا يبعد أن يكون أمثال قوله تعالى: خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ[1] ، ثمّ فصلها في سورة «فصلت» بقوله تعالى: بِالَّذِي خَلَقَ اَلْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، وَ جَعَلَ فِيهََا رَوََاسِيَ ... وَ قَدَّرَ فِيهََا أَقْوََاتَهََا فِي أَرْبَعَةِ أَيََّامٍ إلى قوله:
فَقَضََاهُنَّ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ فِي يَوْمَيْنِ[2] ، و قوله عز شأنه: خَلَقَ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ وَ مِنَ اَلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ[3] .
نعم، لا يبعد أن يكون عز شأنه أشار بهذه الآيات إلى أدوار الأرض، و طبقاتها و مبادي تكوينها من الغاز ثمّ البخار ثمّ الجليد ثمّ التراب و هكذا، وفق ما اهتدى إليه العلم الحديث، و ما سيكشفه البحث و التنقيب في المستقبل، فإن كان المراد بهذه الآيات تلك المعاني و المقاصد فذاك، و إلاّ فلا يقدح بكرامة القرآن العظيم خلوّه من ذلك؛ فإنّه مسوق لغير هذه الغاية، نعم هو مسوق لتلك المقاصد الشريفة، و الغايات المقدسة التي لو أخذ الناس بها لأصبحت الدنيا جنة من جنان الفردوس التي وعد اللّه بها عباده المتقين، فليس في القرآن الكريم