responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد    الجزء : 1  صفحة : 198

- و حكى عن عبد اللّه بن عمر، عن أبيه: أنه نهى أن تغلق أبواب دور مكة، فنهى من لا باب لداره أن يتخذ لها بابا، و من لداره باب أن يغلقه، و هذا فى أيام الموسم.

قال المجوزون للبيع و الإجارة: الدليل على جواز ذلك، كتاب اللّه و سنة رسوله، و عمل أصحابه و خلفائه الراشدين.

قال اللّه تعالى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ‌ [الحشر: 8].

و قال: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ‌ [آل عمران: 195].

و قال: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ‌ [الممتحنة:

9] فأضاف الدور إليهم، و هذه إضافة تمليك.

و قال النبى (صلى اللّه عليه و سلم)، و قد قيل له: أين تنزل غدا بدارك بمكة؟ فقال: «و هل ترك لنا عقيل من رباع» (1)، و لم يقل: إنه لا دار لى، بل أقرهم على الإضافة، و أخبر أن عقيلا استولى عليها و لم ينزعها من يده، و إضافة دورهم إليهم فى الأحاديث أكثر من أن تذكر، كدار أم هانئ، و دار خديجة، و دار أبى أحمد بن جحش و غيرها، و كانوا يتوارثونها كما يتوارثون المنقول، و لهذا قال النبى (صلى اللّه عليه و سلم): «و هل ترك لنا عقيل من منزل»، و كان عقيل هو ورث دور أبى طالب، فإنه كان كافرا، و لم يرثه على رضى اللّه عنه، لاختلاف الدين بينهما، فاستولى عقيل على الدور. و لم يزالوا قبل الهجرة و بعدها، بل قبل المبعث و بعده، من مات، ورث ورثته داره إلى الآن.

و قد باع صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب- رضى اللّه عنه- بأربعة آلاف درهم، فاتخذها سجنا، و إذا جاز البيع، و الميراث، فالإجارة أجوز و أجوز، فهذا موقف أقدام الفريقين كما ترى، و حججهم فى القوة و الظهور لا تدفع، و حجج اللّه و بيناته لا يبطل بعضها بعضا بل يصدق بعضها بعضا، و يجب العمل بموجبها كلها، و الواجب اتباع الحق أين كان.

فالصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين، و أن الدور تملك، و توهب، و تورث، و تباع، و يكون نقل الملك فى البناء لا فى الأرض و العرصة، فلو زال بناؤه، لم يكن له أن يبيع الأرض، و له أن يبنيها و يعيدها كما كانت، و هو أحق بها يسكنها و يسكن فيها من شاء، و ليس له أن يعاوض على منفعة السكنى بعقد الإجارة، فإن هذه المنفعة إنما يستحق أن يقدم فيها على غيره، و يختص بها لسبقه و حاجته، فإذا استغنى عنها، لم يكن له أن يعاوض عليها، كالجلوس فى الرحاب، و الطرق الواسعة، و الإقامة على المعادن و غيرها من المنافع و الأعيان المشتركة التى من سبق إليها، فهو أحق بها ما دام ينتفع، فإذا استغنى، لم يكن له أن يعاوض، و قد صرح أرباب هذا القول بأن البيع و نقل الملك فى رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض، فذكره أصحاب أبى حنيفة.

فإن قيل: فقد منعتم الإجارة، و جوزتم البيع، فهل لهذا نظير فى الشريعة، و المعهود فى الشريعة أن الإجارة أوسع من البيع، فقد يمتنع البيع، و تجوز الإجارة، كالوقف و الحر، فأما العكس، فلا عهد لنا به؟.

قيل: كلّ واحد من البيع و الإجارة عقد مستقل غير مستلزم للآخر فى جوازه و امتناعه، و موردهما مختلف، و أحكامهما مختلفة، و إنما جاز البيع، لأنه وارد على المحل الذى كان البائع-

اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد    الجزء : 1  صفحة : 198
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست