اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد الجزء : 1 صفحة : 131
و كان قد حجّ جماعة من المغل فأحضرهم و أنعم عليهم إنعاما زائدا و أمر أن تكسى الكعبة بالحرير الأطلس، و أخرج الثياب للصناع فعملوها.
و فرّق فى أهل مكة مالا عظيما، و أفاض التشاريف على أمراء مكة و أرباب وظائفها و أمير ينبع و أمير خليص، و أنعم عليه بخمسة آلاف درهم برسم عمارة خليص، و كان لها عدة سنين قد انقطعت و جعل ذلك مقررا فى كل سنة برسم عمارتها.
و اجتمع عند السلطان من العربان ما لم يجتمع لملك قبله، و هم: سائر بنى مهدى و أمرائها، و شطا، و أخوه عساف، و أولاده، و أمراء مكة و أشرافها، و أمراء المدينة، و صاحبا ينبع و خليص، و بنى لام و عرب حوارن و كبارها، و أولاد مهنا، و صاروا يعملون عليه إدلالا زائدا بحيث قام ابن لموسى بن مهنا [1]. و قال للسلطان: «يابا على بحياة هذه- و مدّ يده إلى لحية السلطان و مسكها- إلا أعطيتنى الضعية الفلانية؟».
فصرخ فيه الفخر ناظر الجيش و قال: «ارفع يدك، قطع اللّه يدك و الك يا ولد الزنا، تمد يدك إلى السلطان!».
فتبسم السلطان و قال: «يا قاضى، هذه عادة العرب إذا قصدوا كبيرا فى شىء يكون عظمته عندهم مسك ذقنه- يعنى أنه قد استجار به- فهو عندهم سنّة» فقام الفخر مغضبا و هو يقول: «و اللّه إن هؤلاء مناحيس، و سنّتهم أنحس منهم، لا بارك اللّه فيهم».
و صلى السلطان الجمعة بمكة، فدعى له و للشريف فقط، و لم يدع لصاحب اليمن تأدبا مع السلطان.
و قضى نسكه، و سار إلى المدينة النبوية، و صلى بها الجمعة أيضا، و أقام يومين حتى قدم الركب، و بعث المبشرين إلى مصر و الشام، و سار إلى ينبع فلم يجد المراكب و صلت، فحصلت مشقة زائدة من قلة العليق، و مشى أكثر المماليك لوقوف الجمال حتى أتت الإقامات من مصر و الشام و نزل السلطان بركة الحاج فى ثانى عشر المحرم سنة عشرين و سبعمائة، فعمل له سماط عظيم جدّا، و ركب فى موكب جليل إلى القلعة فكان يوما مشهودا.
و جلس يوم الخميس نصف المحرم بدار العدل، فخلع على سائر الأمراء و أرباب الوظائف و أمراء العربان.
[1] انظر: (ابن خلدون 5/ 439، البداية و النهاية 14/ 193، النجوم الزاهرة 10/ 76، الأعلام 7/ 329).
اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد الجزء : 1 صفحة : 131