responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد    الجزء : 1  صفحة : 114

الوجه من النار، فإياك أن تصبح و تمسى و فى قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبى- (صلى اللّه عليه و سلم)- قال: «من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة».

فبكى هارون، و قال له: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربى لم يحاسبنى عليه، فالويل لى إن سألنى، و الويل لى إن ناقشنى، و الويل لى إن لم ألهم حجتى، قال: إنما أعنى دين العباد، قال: إن ربى- عزّ و جلّ- لم يأمرنى بهذا، و إنما أمرنى أن أصدق وعده و أطيع أمره، فقال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‌ [الذاريات: 56- 58] فقال له:

هذا ألف دينار خذها فانفقها على عيالك، و تقوبها على عبادتك، فقال: سبحان اللّه، أنا أدلك على طريق النجاة و أنت تكافئنى بمثل هذا؟ سلّمك اللّه و وفّقك.

ثم صمت فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب، قال هارون: أبا عباس، إذا دللتنى على رجل، فدلنى على مثل هذا، هذا سيّد المسلمين.

فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: «يا هذا، قد ترى ما نحن فيه من ضيق، فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به؟» فقال لها: «مثلى و مثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه، فأكلوا لحمه»، فلما سمع هارون الرشيد هذا الكلام، قال:

«تدخل فعسى أن يقبل المال»، فلما علم الفضيل خرج فجلس فى السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: «يا هذا، قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف، رحمك اللّه»، فانصرفنا.

أخبرنا إبراهيم بن عبد اللّه، حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثنى إسماعيل بن عبد اللّه أبو النضر، أخبرنا يحيى بن يوسف الزمّى، عن الفضيل بن عياض- (رحمه اللّه)- قال:

«لما دخل علىّ هارون أمير المؤمنين، قال: أيكم هو؟ فأشاروا إلى أمير المؤمنين، فقال:

أنت هو يا حسن الوجه لقد كلّفت أمرا عظيما، إنى ما رأيت أحدا أحسن وجها منك، فإن قدرت أن لا تسوّد هذا الوجه بلفحة من النار فافعل، فقال لى: عظنى، فقلت: ماذا أعظك؟ هذا كتاب اللّه تعالى بين الدفتين، انظر ماذا عمل بمن أطاعه، و ماذا عمل بمن عصاه، و قال: إنى رأيت الناس يعرضون على النار عرضا شديدا، و يطلبونها طلبا حثيثا، أما و اللّه لو طلبوا الجنة بمثلها أو أيسر لنالوها، فقال: عد إلىّ، فقال: لو لم تبعث إلىّ لم آتك، و إن انتفعت بما سمعت منى عدت إليك.

***

اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد    الجزء : 1  صفحة : 114
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست