responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد    الجزء : 1  صفحة : 106

ثم حج بالناس فى سنة سبع و أربعين و مائة. و حج رابعا فى سنة ثمان و أربعين و مائة.

و حج خامسا سنة اثنتين و خمسين. و سار فى سنة أربع و خمسين إلى الشام و بيت المقدس. ثم سار فى سنة ثمان و خمسين و مائة من بغداد إلى الكوفة؛ ليحج، و استخلف ابنه المهدى‌ [1]، و وصاه وصية بليغة جّا، لو لا طولها لذكرتها، و ودعه و بكى، و أعلمه أنه ميت فى سفره هذا، ثم سار إلى الكوفة، و جمع بين الحج و العمرة، و ساق الهدى و أشعره و قلده لأيام خلت من ذى القعدة، فعرض له- و هو سائر- و جع اشتد به حتى مات فى بئر ميمون خارج مكة لست خلون من ذى الحجة؛ فكتم الربيع الحاجب موته حتى بايع المهدى. فكانت خلافة أبى جعفر اثنتين و عشرين سنة تنقص أياما قد اختلف فى عدتها.

و اتفق أنه لما نزل آخر منزل بطريق مكة نظر فى صدر البيت فإذا فيه بعد البسملة:

أبا جعفر حانت و فاتك و انقضت‌* * * سنوك و أمر اللّه لابد واقع‌

أبا جعفر هل كاهن أو منجم‌* * * لك اليوم من حر المنيّة مانع‌

فأحضر متولى المنازل، و قال له: «ألم آمرك اللّه أن لا يدخل المنازل أحد من الناس»، و كانت الخلفاء يبنى لهم فى كل منزلة ينزلونها بطريق مكة دار، و يعد لهم فيها سائر ما بحتاج إليه من الستور و الفرش و الأوانى و غير ذلك فقال: «و اللّه ما دخله أحد منذ فرغ»، فقال: «اقرأ ما فى صدر البيت»، فقال: «ما أرى شيئا»؛ فأحضر غيره، فلم ير شيئا، فقال: «يا ربيع، قف بينى بين الحائط»، فقام الربيع بينه و بين الجدار، فرأى البيتين كما كان يراهما قبل وقوف الربيع، فعلم أنه قد نعيت إليه نفسه؛ فقال: «يا ربيع، اقرأ آية من كتاب اللّه»، فقرأ: «و سيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون» فأمر به فضرب و رحل من المنزل، و تطير، فسقط عن دابته فاندق- عنقه- و قيل: بل مات من مرضه، و دفن ببئر ميمون.

و من بديع ما يحكى عنه: أنه لما حج و أشرف على المدينة النبوية ترجّل الناس له لما استقبلوه، إلا محمد بن عمران- قاضى المدينة- فقال المنصور: «يا ربيع، ما له لا يترجل لى؟ يتجالد علىّ و يمتنع مما فعله بنو عبد المطلب و بنو على، فلم ينزل إلى الأرض لما بصر بى؟»، فقال الربيع: «يا أمير المؤمنين، لو رأيته على الأرض لرحمته و رثيت له من ثقله و عظمه»، فأمره بالدنو منه، فدنا منه راكبا عند تمهيد الربيع له العذر، فسأله عن حاله، ثم قال: «يا ابن عمران، أيما رجل أنت؟ لو لا خصال فيك ثلاث كنت أنت الرجل،


[1] انظر: (تاريخ الخلفاء 313 و ما بعدها).

اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد    الجزء : 1  صفحة : 106
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست