اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد الجزء : 1 صفحة : 103
و كان حجه فى سنة إحدى و تسعين، فلما دخل المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه، و أخرج الناس منه، و لم يبق غير سعيد بن المسيب، فلم يجسر أحد من الحرس يخرجه، فقيل له: «لو قمت»، فقال: «لا أقوم حتى يأتى الوقت الذى كنت أقوم فيه»، فقيل: «لو سلّمت على أمير المؤمنين»، قال عمر بن عبد العزيز: «فجلست أعدل بالوليد فى ناحية المسجد لئلا يراه»، فالتفت الوليد إلى القبلة فقال: «من ذلك الشيخ، أهو سعيد؟»، قال عمر: «نعم، و من حاله كذا و كذا، و لو علم بمكانك لقام فسلم عليك، هو ضعيف البصر»، فقال الوليد: «قد علمت حاله، و نحن نأتيه، فدار فى المسجد ثم أتاه، فقال: «كيف أنت أيها الشيخ؟»، فو اللّه ما تحرك سعيد بل قال: «بخير و الحمد للّه، فكيف أمير المؤمنين و كيف حاله؟»، فانصرف الوليد و هو يقول لعمر: «هذا بقية الناس».
و قسم الوليد بالمدينة أموالا كثيرة و صلّى بها الجمعة، فخطب الناس الخطبة الأولى جالسا، ثم قام فخطب الثانية قائما، فقال رجل لرجاء بن حيوة [1]: «أهكذا يصنعون؟»، قال: «نعم و هكذا صنع معاوية، و هلم جرّا»، فقيل له: «ألا تكلمه؟»، فقال: «أخبرنى قبيصة بن ذؤيب [2] أنه كلّم عبد الملك بن مروان فى القعود فلم يتركه و قال: هكذا خطب عثمان»، قال: فقلت: «و اللّه ما خطب عثمان إلا قائما»، قال رجاء: «روى لهم شىء فأخذوا به».
بويع بعد موت أخيه الوليد فى نصف جمادى الآخرة سنة ست و تسعين و هو بالرملة، فأقام بالخلافة سنتين و ثمانية أشهر و خمسة أيام.
و حج بالناس سنة سبع و تسعين، و كتب إلى خالد بن عبد اللّه القسرى [4]- و هو على مكة- «أن أجر لى عينا يخرج من مائها العذب الزلال، حتى تخرج من بين زمزم و المقام، فعمل خالد بركة بأصل ثبير من حجارة، و أحكمها و أنبط ماءها و شق لها فلجا
[1] انظر: (تذكرة الحفاظ 1/ 111، تهذيب التهذيب 3/ 265، حلية الأولياء 5/ 170، ابن خلدون 3/ 71، ابن خلكان 1/ 187، الأعلام 3/ 17).