الحمد للَّه الذي أوضح لعباده دلائل معرفته، و أنهجهم سبيل هدايته، و أبان لهم طريق توحيده و حكمته، و بعث إليهم أنبياءَ و أولياء جعلهم سفراءه يدعونهم إلى طاعته، و يحذرونهم من معصيته، و صلّى اللَّه على خاتم أنبيائه و سيّد أصفيائه محمّد و على أهل بيته الطاهرين، و لعنة اللَّه على أعداء اللَّه أجمعين. و بعد ... إنّ البحث في مسألة الجبر و التفويض كان و لا يزال من أصعب المباحث الكلامية و العُقد الفلسفية، التي تهرّب أكثر الحكماء أو حاولوا الابتعاد- ما أمكنهم- عن الخوض في مساربها و الغور في أعماقها، بل أشاروا إليها من بعيد بتفصيّات تخرجهم من تلاطمات هذه المسألة إلى سواحل ظنوا أنّها آمنة. فلم يسيروا غورها، و لم يصطادوا لئالئها المكنونة في أعماقها السحيقة، بل اكتفوا بطرح الآراء التي تتعب المتفصي لها و ترهقه لكثرتها و تشعّبها، لأنّها قد تكون بنفس عدد الحكماء الذين بحثوا في هذه المسألة.