و لقد استمرّ تقييد العلم و ضبط الحديث بين الشيعة من حياة الرسول إلى غيبة الإمام الثاني عشر فألّفوا في الحديث، جوامع كبرى معروفة عندهم بالجوامع الأوّليّة، ثمّ تلتهم طائفة أخرى بعد الغيبة فألّفوا الجوامع الثانويّة المعروفة بالكتب الأربعة، و بذلك حازت الشيعة قصب السبق في مضمار تدوين الحديث الشريف، -كما-و قدّموا بذلك إلى الأجيال المتلاحقة خدمة جليلة، و حفظوا سنّة الرسول من الاندراس و الزوال، و امتثلوا قول صادقهم: «احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها» . [2]
الاجتهاد في عصر الباقرين عليهما السّلام
لم يكن الهدف من تخريج الأحاديث و ضبطها و تسجيلها في الجوامع، هو نقلها بحرفيّتها فقط، من دون إمعان و دقّة في الأصول الكلّيّة المتلقّاة من الأئمّة، بل كان الرواة بين راو حافظ لمتن الحديث و سنده، و راو واع يردّ الفروع إلى الأصول المرويّة و يفتي الناس بما فهم من كلامهم و أحاديثهم عليهم السّلام امتثالا لقول الإمام الصادق عليه السّلام: «إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول و عليكم أن تفرّعوا» . [3]